أحمد البرعي - خاص ترك برس

يحكى أن أحد السلاطين العثمانيين أرسل برسالة إلى أحد كبار علماء عصره يسأله، متى ستسقط الخلافة يا إمام؟ فرد عليه الإمام برسالة كتب فيها "وما شأني أنا؟؟!" بالتركية "Bana ne?"، استهجن السلطان واستغرب من الرد وقال في نفسه لا بد وأن في الأمر شيء. امتطى السلطان حصانه وانطلق ليفهم ما الذي دفع الإمام أن يرد بهذا الرد الغريب.

"يا إمام إني أكن لك عظيم الاحترام والتقدير، ولك عندي مكانة خاصة، وقد جئتك بنفسي ولم أطلب منك المثول أمامي، ولكن رسالتك نزلت علي كالصاعقة، فما هذا الجواب؟!" قال السلطان للإمام، فرد عليه الأخير قائلاً "يا عظمة السلطان، أقصد من ذلك أن الخلافة تسقط إن أصبحت هذه المقولة نهج العامة والقادة، فتحدث الحريق في بيت جارك فتقول وما شأني أنا، عندها تسقط الخلافة، فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم".

أوردت وكالات الأنباء التركية أن رئيس الجمهورية التركية، رجب طيب أردوغان، يعتزم زيارة الصين، ويضع على رأس أولوياته قضية مسلمي الإيغور الذين صدر بحقهم أحكام تحظر صيام المدرسين والطلاب والموظفين في نهار رمضان! وكان أردوغان قد أوفد قبل عامين أو ثلاثة وفداً يترأسه وزير خارجيته آنذاك أحمد داود أغلو لتقديم الدعم للمسلمين المضطهدين في ميانمار، وفي العام 2011 كان أردوغان حينها أول زعيم يقوم بزيارة لمقديشو بعد عقدين من القطيعة وافتتح القنصلية التركية والعديد من المشاريع التنموية.

هذا فضلاً عن الدور الإنساني والأخلاقي الذي يقوم به الطيب أردوغان تجاه المضطهدين في سوريا والعراق، فهو يبذل ما يستطيع لدمج المهاجرين السوريين في المجتمع التركي وإنشاء المخيمات التي تؤويهم في المناطق الحدودية، في حين ترى بعض دول الجوار "الشقيقية" تجهر بالضجر والتأفف من اللاجئين وتضج بالشكوى من الأوضاع الصعبة التي تعيشها بلادهم المسكينة الفقيرة التي لا تحتمل أعباءًا اقتصادية إضافية!

كان الطيب أردوغان قد أعلن عن نيته زيارة قطاع غزة في العام 2013، ولكن الزيارة لم تتم في حينه ولكنه يكرر دائماً أن زيارته حتمية وإن تأخرت بعض الوقت، وكان قد أرسل، قبل أسابيع، رئيس هيئة الشئون الدينية التركية، محمد جورماز، إلى القدس فخطب فيها الجمعة لأول مرة في تاريخ الجمهورية التركيـة، وزار بعدها غزة ووعد بإعادة بناء ما دمره الاحتلال من مساجد. وهذا كله غيض من فيض مما تقوم به تركيا من دعم ومساندة لقضايا المستضعفين في جميع أنحاء العالم.

قد يعتقد البعض أن ما يقوم به أردوغان وتركيا له دوافع سياسية ومنافع اقتصادية مباشرة أو غير مباشرة تعود على تركيا في الأمد القصير والمتوسط. فمقابل هذه المواقف الإنسانية والأخلاقية، فضلاً عن الاستقرار والامكانات الأخرى التي توفرها الحكومة، أصبحت اسطنبول وجهة رؤوس الأموال العربية وقبلة المستثمرين والسياح العرب الذين يضخون مئات الملايين من الدولارات في الخزانة التركية. ولكن، حتى وإن كان الأمر كذلك، وإن كنت لا أعتقد ذلك، فإن هذا لا يعيب البلد ولا القائمين على إدارته فهم يعيدون لبلدهم مجداً تليداً وتراثاً عريقاً في سنوات خلت في الماضي القريب وخير دليل على ذلك أن الطيب أردوغان قد افتتح قبل يومين جامعاً في القصر الرئاسي بأنقرة أسماه جامع الأمة، فالرجل يحمل هم الأمة ويعمل على رفعتها وربطها بأواصر الأخوة وجذور الأجداد وتاريخهم المشرق والمشرف، فاسم الجامع يحمل رمزية واضحة تعلي الأخوة ومفهوم الأمة على العرقية الدنيئة والقومية القميئة التي دمرت ثقافتنا ومزقت وحدة أمتنا.

يعز على النفس أن ترى حال دولنا العربية بهذا الوهن والضعف والخور فشعوبنا الطيبة لا تستحق هذه الزمرة من الحكام المتهالكين المنبطحين الذين لا يمثلون نخوة وكرامة وعزة الشعوب العربية الأصيلة، لا أخفيكم أن الشعور بأنك صاحب اليد الدنيا يترك في الحلق غصة وفي القلب حسرة، إذ إن اليد العليا كانت دائماً خير من اليد السفلى، ومن يعطي خير ممن يأخذ ولكني أقول "لكل جواد كبوة، ولكل صارم نبوة" ولقد لاحت في الأفق بشائر عودة الشعوب العربية إلى جذورها ورفضها للخنوع والمذلة ونفضها لنير العبودية والهوان، حتى وإن كانت الأجواء قاتمة بعض الشيء والأفق تشوبه الشبهات والمؤامرات والدماء والاقتتال، إلا أن فجراً محققاً أوشك أن يبزع لينير للمظللومين عتمة الطريق ويهون على المحرومين قسوة الفراق وعذابات فقدان الأحبة.

لقد أتى اليوم الذي أيقنت فيه شعوب هذه المنطقة أنها أهل للريادة والقيادة وستعيد، قريباً بإذن الله، أمجاداً لوثها المستعمر وطمس آثارها المحتلون والغزاة الذين لعبوا في وعي الشعوب وشوهوا ضميرها، فأبداً ما كان العرب خونة يوماً، كما روج الغرب ورجالاته في تركيا، وما كان الأتراك مستعميرين، كما ذكرت مناهج حكومتنا الدخيلة، فدمشق كغزة والقدس كالبصرة واسطنبول كالقاهرة وصنعاء كالدار البيضاء والرياض كبغداد وكراتشي كالخرطوم وكابل كالدوحة ودبي كمقديشو والجزائر كتونس ومدغشقر ككوالالمبور. وكما يردد كل حر يفهم معنى الخلافة الحق، الأرض التي يرفع فيها الأذان هي بلدي، فبلاد الإسلام أوطاني من كابل لوهراني، فلا حد يباعدنا ولا دين يفرقنا.

عن الكاتب

د.أحمد البرعي

باحث ومحاضر في قسم الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة أيدن


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس