أحمد البرعي - ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير ترك برس

في أعقاب تفجير سيارة ملغومة في الأسبوع الماضي خارج قاعة محكمة في إزمير الذي أودى بحياة شرطي وموظف في المحكمة، قال الرئيس، رجب طيب أردوغان إن الإرهابيين يئسوا في تركيع تركيا. واتهم محافظ إزمير إيرول أيلديز، حزب العمال الكردستاني المحظور بالوقوف وراء الهجوم، وأكد نائب رئيس الوزراء ويسي كايناك أن شجاعة الشرطي الكردي فتحي سكين منعت وقوع مذبحة حيث ضحى بحياته في سبيل من المهاجمين.  

وتقول التقارير إن المسلحين الذين كانوا يحملون قنابل وبنادق كلاشينكوف كانوا يخططون لهجوم أكبر من ذلك، وأنهم لو كانوا نجحوا في دخول مبنى المحكمة، لوقعت مذبحة هائلة. وجاء هذا التفجير الذي وقع في إزمير بعد الهجوم المروع الذي تبناه تنظيم داعش في ملهى ليلي بإسطنبول ليلة رأس السنة وقتل فيه 39 شخصا. وذكرت وسائل الإعلام أن عشرين شخصا على صلة بهجوم إسطنبول اعتقلوا قبل يوم واحد من هجوم إزمير، واحتجزوا في محكمة إزمير.

صارت المنظمات الإرهابية في تركيا مميزة بمن وما تستهدف ومتى تعلن مسؤوليتها عن الهجمات الإرهابية، فإذا ضرب تجمع للمدنيين، فمن المرجح أن يكون داعش وراء الهجوم، وإذا وقع هجوم على قوات الأمن أو تجمع للشرطة، فالأرجح أن يكون حزب العمال الكردستاني المحظور وراء الهجوم.

يدعي حزب العمال الكردستاني عادة مسؤوليته عن أي عملية إرهابية ينفذها ، وإن لم يعلن مسؤوليته حتى الآن عن هجوم إزمير، والمثير للدهشة أن داعش أصدر بيانا غير مسبوق يعلن فيه مسؤليته عن الهجوم على ملهى إسطنبول.

بات من عادة التنظيمات الجهادية أن تتباهى بما تسميه " العميات الاستشهادية" ، لكن داعش لم يعلن مسؤوليته إلا عن هجومين إرهابيين فقط في تركيا، هما قتل صحفي سوري في مارس/ آذار الماضي، وهجوم على شرطة مكافحة الشغب في ديار بكر الذي تبناه العمال الكردستاني أيضا.

عـش الـدبـابـيـر

منذ عام 2015 شن العمال الكردستاني وداعش موجة من الهجمات التي استهدفت المدنيين والمسؤولين الحكوميين في مختلف أنحاء تركيا، واستخدموا السيارات المفخخة والإرهابيين الانتحاريين ما أودى بحياة 648 شخصا وجرح أكثر من 3080 آخرين.

على مدى أكثر من ثلاثة عقود يشن العمال الكردستاني والتنظيمات المنشقة عنه تمردا مسلحا ضد الجيش التركي، ويدعو إلى إقامة دولة مستقلة للأكراد في تركيا.اندلع القتال من جديد بين الانفصاليين الأكراد والدولة التركية بعد وقف لإطلاق النار استمر عامين وانتهى في يوليو/ تموز 2015، وتشن القوات التركية حاليا حملة قوية على حزب العمال وامتداداته الخارجية المتمثلة في وحدات الحماية وحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، وتشن عملية درع الفرات على تنظيم داعش في سوريا والعراق  في أول تدخل عسكري منذ إحباط محاولة الانقلاب في تموز/ يوليو 2016.

لا تهدف هذه العمليات العابرة للحدود إلى استعادة المدن التي سيطرت عليها داعش فقط، بل تهدف أيضا إلى ملأ الفراغ الذي سيظهر بعد طرد داعش. وبعبارة أخرى ستقوم تركيا بكل ما يلزم لوضع حد لتطلعات الميليشيات الكردية بإنشاء كانتون مستقل على حدودها مع سوريا.

يعتقد البعض أن العملية التركية في سوريا قد فتحت عليها عش الدبابير، فقد دعا من يسمى بخليفة داعش، أبو بكر البغدادي، أتباع التنظيم إلى صب نيران غضبهم على القوات التركية في سوريا والعراق، وتوجيه معركتهم إلى الداخل التركي أيضا. وقبل ذلك وفي ديسمبر /كانون الثاني 2015 دعا البغداي إلى غزو إسطنبول، ووصف أردوغان بالشيطان الذي يدعم ائتلاف الكفار.

وعلى الرغم من هذه التصريحات الواضحة، فما تزال بعض وسائل الإعلام تصر على تصوير تركيا على أنها تدعم دعاشفي سوريا، وقد عزز هذا الادعاء الواهي تردد داعش أو امتناعها عن تبني مسؤولية هحجماتها السابقة في تركيا.

تـوجـيـه رسـائـل

ما من شك في أن الهجومين الأخيرين يكشفان تغيرا ملحوظا في التكتيكات واختيار الأهداف في تركيا، فبشن هجوم على ملهى ليلي في إسطنبول كان داعش يرسل رسالة قوية إلى عدة أطراف في نفس الوقت. الرسالة الأولى وجهها داعش إلى الشعب التركي يدعوهم فيها إلى ممارسة مزيد من الضغوط على حكومتهم لوقف هجومها عليه في سوريا، وإلا فإنهم سيدفعون دماءهم ثمن السياسة "المتهورة" لحكومتهم. أما الرسالة الثانية أو الهدف الثاني للهجوم فهو الوقيعة بين الليبراليين والمحافظين في تركيا، وإحداث مواجهة بين أفراد الشعب التركي.

لكن ما يدعو للأسف أن وسائل التواصل الاجتماعي بدلا من أن تركز على الهجوم نفسه ركزت اهتمامها على ما يعنيه مكان الهجوم وجنسية الضحايا. ولعل طرح أسئلة من قبيل ماذا كان يفعل الشباب السعوديون والعراقيون والمغاربة واللبنانيون هناك يشير إلى أن دعاية داعش تحاول تأليب الأتراك وتقسيمهم.

ثمة رسالة ثالثة  في توقيت الهجمات، فقد وقع الهجومان الإرهابيان في الأسبوع الأول من العام الجديد 2017، والرسالة: إن لم تتراجع الحكومة التركية، فإن الإرهاب سيستمر في تهديد تركيا في هذا العام. وجاء الرد من أردوغان على هذه الرسالة حين قال "سنقتحم كهوفكم أينما كنتم. لن تروعوا شعبنا أو تضعفوا معنوياته".

الاسـتـراتـيـجـيـة الـحـقـيـقـيـة

بدء الحرب على ثلاث جبهات ليس استراتيجية صائبة. أطلقت تركيا عملية درع الفرات لتطهير المناطق الحدودية من مسلحي داعش والميليشيات الكردية، وتقصف الطائرات التركية باستمرار أهدافا للإرهابيين، ووجهت لهم ضربات قوية وقتلت قادة كبارا من التنظيمين.

في الداخل يؤكد الرئيس التركي مرارا أن منظمة فتح الله غولن الإرهابية " فيتو" هي العدو الأول للشعب التركي، وفي الوقت نفسه فإن علاقة غولن بالولايات المتحدة، حيث يقيم، تعرض التحالف التركي مع واشنطون أهم حليف استراتيجي للخطر. يذهب البعض إلى أبعد من ذلك حين يقول بسذاجة إنه لو لم تطهر الحكومة التركية الشرطة وقوات الأمن من الضباط المرتبطين بتنظيم غولن، لتمكنت الشرطة من مكافحة المنظمات الإرهابية، ولما تمكن المسلحون من ارتكاب هجماتهم بسهولة.

وعلى ذلك يدعي البعض أن من الحكمة أن تنحني تركيا قبل أن يتصاعد المد الإرهابي، وأن تخفف من حدة الحرب على الإرهاب في جبهة من الجبهات الثلاثة، وأن على الحكومة أن تلتقط أنفاسها وتحاول تجنيب الشعب ويلات الإرهاب الذي يشن حربا مفتوحة غير معلنة.

لكن الحكومة التركية لديها رؤية حكيمة مختلفة، ففي نهاية شهر ديسمبر/ كانون الثاني تحدث الرئيس أردوغان هاتفيا مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في محاولة لإنهاء الخلاف الدبلوماسي الذي اندلع بعد أن طلبت الحكومة العراقية من تركيا حسب قواتها من معسكر بعشيقة قرب الموصل.

أمضت تركيا ست سنوات في مراقبة الحرب في سوريا، لكنها بدأت الآن في لعب دور أكثر تأثيرا لوضع حد للقتال المستمر هناك وذلك بدعم التفاوض على وقف إطلاق النار الذي يمكن أن يؤدي إلى مصالحة سياسية في بلاد في حال صموده.

حدث ذلك كله خلال ستة أشهر فقط بعد أن أطلقت تركيا حملة تطهير الجيش والشرطة من أتباع غولن، وصارت استراتيجيتها أكثر وضوحا من أي وقت مضى، وتتمثل في التخلص من كبار الجنرالات المشاركين في عملية صنع القرار وكانت تقديراتهم للحرب في سوريا والعراق مخطئة تماما.

عن الكاتب

د.أحمد البرعي

باحث ومحاضر في قسم الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة أيدن


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس