إسماعيل ياشا - عربي 21

الساحة السياسية التركية تنتظر هذه الأيام أن يقوم رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، بتكليف رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو بتشكيل الحكومة الجديدة، بصفته رئيس الحزب الذي احتل المرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في السابع من الشهر الماضي، لتبدأ بعد ذلك اللقاءات بين ممثلي حزب العدالة والتنمية وممثلي الأحزاب الثلاثة الأخرى حول المشاركة في تشكيل الحكومة.

الأحزاب الثلاثة أعلنت شروطها للمشاركة في تشكيل الحكومة مع حزب العدالة والتنمية، إلا أن تلك الشروط التعجيزية تهدف بالدرجة الأولى إلى رفع سقف المطالب في المفاوضات ليتم التراجع فيما بعد إلى مستوى يمكن أن يقبله الطرف الآخر. وفي مثل هذه الحالات، من الضروري أن يقدم كل حزب من الحزبين خطوات باتجاه الآخر ليلتقيا في المساحة المشتركة بينهما لتشكيل الحكومة التي لا يكون برنامجها بطبيعة الحال برنامج أحدهما فقط.

تركيا شهدت منذ الانتقال إلى الديمقراطية والتعددية الحزبية تشكيل حكومات ائتلافية شاركت فيها أحزاب من اليمين واليسار وجمعت العلماني والإسلامي. ومن أبرز أمثلتها، تلك الحكومة الائتلافية التي شكلها حزب الشعب الجمهوري برئاسة بولنت أجاويد مع حزب السلامة الوطني برئاسة نجم الدين أربكان بعد الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 14 تشرين الأول/ أكتوبر 1974، إلا أنها لم تستمر سوى ثمانية أشهر. ومن أمثلتها أيضا الحكومة الائتلافية التي شكلها حزب الرفاه برئاسة أربكان مع حزب الوطن الأم الذي كانت ترأسه آنذاك تانسو تشللر، بعد الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 27 كانون الأول/ ديسمبر 1995. وهذه الحكومة أيضا لم تعش طويلا وانتهت بعد حوالي سنة من تشكيلها بتدخل العسكر.

ومن المتوقع أن يتم اختيار أعضاء ديوان رئاسة البرلمان خلال أيام لتبدأ بعد ذلك المهلة الدستورية التي يجب أن يتم تشكيل الحكومة قبل انتهائها وهي 45 يوما، بعد تشكيل ديوان رئاسة البرلمان. وإن لم يتم تشكيل الحكومة قبل انتهاء هذه المهلة، فسيطلب رئيس الجمهورية بإعادة إجراء الانتخابات بعد 90 يوما من إعلان القرار.

وفي حال فشلت جهود تشكيل الحكومة وطلب أردوغان إعادة إجراء الانتخابات، فسيتم تشكيل حكومة تشارك فيها الأحزاب الأربعة كلها، على أن يتولى رئاستها من يكلفه رئيس الجمهورية بتشكيل هذه الحكومة. وأما في توزيع الحقائب الوزارية، فسيكون من نصيب حزب العدالة والتنمية 11 حقيبة ومن نصيب حزب الشعب الجمهوري 6 حقائب، وسيتقاسم حزبا الحركة القومية والشعوب الديمقراطي 6 حقائب بالتساوي، على أن يتولى الداخلية والعدل والمواصلات مستقلون من خارج البرلمان.

هذا السيناريو يعني مشاركة حزب الحركة القومية مع حزب الشعوب الديمقراطي في الحكومة نفسها، ولذلك فقد يرفض حزب الحركة القومية المشاركة فيها ويتنازل عن حقه الدستوري ليتم تعيين مستقلين للوزارات الثلاث التي ستكون من نصيب حزب الحركة القومية.

هناك خيارات أمام حزب الحركة القومية للحيلولة دون تحقق هذا السيناريو وتولي نواب من حزب الشعوب الديمقراطي ثلاث وزارات. وأول هذه الخيارات التحالف مع حزب العدالة والتنمية لتمرير قرار من البرلمان قبل انتهاء 45 يوما لإجراء انتخابات مبكرة يحدد موعده البرلمان. وفي حال وافق البرلمان على إجراء انتخابات مبكرة فإن الحكومة الحالية برئاسة أحمد داود أوغلو ستواصل القيام بمهامها حتى تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات المبكرة.

الخيار الثاني الذي قد يلجأ إليه حزب الحركة القومية لمنع تولي نواب من حزب الشعوب الديمقراطي ثلاث وزارات، هو دعم حكومة أقلية يشكلها حزب العدالة والتنمية لتنال ثقة البرلمان دون المشاركة في الحكومة. وأما الخيار الذي قد يفاجئ الكثير فهو تراجع حزب الحركة القومية عن شروطه القاسية ليتحالف مع حزب العدالة والتنمية لتشكيل الحكومة.

رئيس حزب الحركة القومية دولت باهتشلي فاجأ الجميع في انتخابات رئيس البرلمان في لحظة حاسمة، حين قرر التصويت لصالح مرشح حزبه أكمل الدين إحسان أوغلو في الجولة الرابعة التي تسابق فيها فقط مرشح حزب العدالة والتنمية ومرشح حزب الشعب الجمهوري. وبهذا القرار دعم باهتشلي مرشح حزب العدالة والتنمية عصمت يلماز بطريقة غير مباشرة وجعله يفوز برئاسة البرلمان.

وقد يكرر رئيس حزب الحركة القومية المفاجأة ويقبل المشاركة في تشكيل الحكومة مع حزب العدالة والتنمية، بحجة أنه لن يسمح بأن يبقى البلد بلا حكومة، كما صرح بذلك في تصريحاته الأخيرة.

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس