إسماعيل ياشا - أخبار تركيا 

الإسلام نهى عن الفجور في الخصومة وعدَّه من علامات النفاق، كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في حديث متفق عليه: “أربع من كن فيه كان منافقا، ومن كانت خصلة منهن فيه كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها؛ إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر.”

الحالة التي وصلت إليها معارضة بعض القوى السياسية ووسائل الإعلام لرئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان فيها خصلتان على الأقل من هذه الخصال الأربع، وهما: الكذب في الحديث والفجور في الخصومة، بل وتجاوزت في بعض الأحيان في معارضتها وخصومتها إلى ما بعد مرحلة الكذب والفجور.

رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كلتشدار أوغلو صرَّح قبيل الانتخابات البرلمانية التي أجريت في السابع من يونيو / حزيران الجاري، بأن القصر الجمهوري فيه مرحاض من الذهب يستخدمه رئيس الجمهورية. ولما نفى أردوغان ما زعمه كلتشدار أوغلو ودعاه متحديا إلى القصر الرئاسي لزيارة جميع المراحيض حتى يثبت صحة ما ذكره، تراجع الرجل عما زعمه، ولجأ إلى اللف والدوران، وقال إنه لم يكن يقصد القصر الجمهوري، بل كان يقصد مقر محافظ “كوجالي”، إلا أن المحافظ هو الآخر نفى ذلك ورفع دعوة قضائية، وقالت المحكمة إنه لا يوجد أي قطعة في المرحاض صنعت من الذهب.

ما قاله رئيس حزب الشعب الجمهوري في تصريحه مسجل بالصوت والصورة، ولم يكن يقصد في تصريحه مرحاضا في مقر المحافظ، بل كان يقصد مرحاضا في القصر الجمهوري، وجاء النفي من رئيس الجمهورية ومن المحافظ وأكدت المحكمة عدم صحة ما يدعيه، ولكن الرجل حصل على ما يريده، بعد أن تحدثت وسائل إعلام تركية وأجنبية طويلا عن الجدل حول مرحاض أردوغان المصنوع من الذهب.

قبل أيام، نشرت وسائل الإعلام تقريرا حول مزاعم غرفة المهندسين المعماريين بأن “ثمن الطاولة التي اجتمع عليها رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان ورئيس الشؤون الدينية محمد غورماز خلال حفل إفطار يبلغ 240 ألف ليرة تركية (حوالي 90 ألف دولار)، وثمن الطاولة مع الأواني والأطباق والملاعق والأشواك والسكاكين والأكواب المستخدمة فوقها يصل إلى مليون ليرة تركية (حوالي 373 ألف دولار).

رئاسة الجمهورية نفت هذه المزاعم ونشرت مقطعا مصورا، لمدة دقيقة واحدة، يُظهر حقيقة الطاولة المستديرة، وبينت أن ثمن الطاولة ما يقارب 5 آلاف ليرة تركية فقط (حوالي 1865 دولار)، وأما الأواني والملاعق والأشواك والسكاكين والأكواب فكلها قديمة من عهد الرئيس الأسبق سليمان دميرل وعهد الرئيس السابق عبد الله غول، ولم يتم شراء أي منها في عهد الرئيس أردوغان.

ألا تعرف غرفة المهندسين والمعماريين أن ثمن تلك الطاولة لا يمكن أن يساوي ذلك المبلغ الخيالي؟ ألا تعرف وسائل الإعلام التركية والأجنبية التي نشرت هذه المزاعم أن بإمكانها الاتصال برئاسة الجمهورية أو على الأقل بجهات أخرى محايدة للتأكد من صحة ما تنشره قبل أن تروج المزاعم الباطلة والافتراءات التي تؤجج الكراهية ضد رئيس الجمهورية المنتخب بأصوات الناخبين؟ بلى، كلهم يعرفون جيدا أنهم يكذبون ولكن هدفهم هو خلق صورة سلبية في أذهان المواطنين عن أردوغان والقصر الرئاسي ولو كانت تلك الصورة لا تمت للحقيقة بأي صلة.

المشكلة ليست في الطاولة، بل في من يجلس حولها وما يوضع عليها من المأكولات والمشروبات، وبمعنى آخر أن الذين كانوا جالسين حولها هذه المرة رئيس يعادونه لأسباب أيديولوجية وعلماء مسلمون لا يحبونهم، ولم تكن عليها مشروبات كحولية، وإلا فالطاولة نفسها سبق أن جلس حولها زعماء المعارضة، مثل رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كلتشدار أوغلو ورئيس حزب الحركة القومية دولت باهتشلي ولم يتحدث آنذاك أحد عن ثمنها ولا عن ثمن ما وضع عليها.

هذه الخصومة ليست معارضة سياسية، كما أنها لا تعد جزءا من حرية الصحافة، بل هي حملة تشويه ممنهجة، مبنية على المغالطة والتضليل والكذب والبهتان، وليست لها حدود مهنية ولا أخلاقية. ويبدو أننا سوف نسمع ونقرأ في الفترة المقبلة مزيدا من مثل هذه الأنباء الكاذبة الملفقة في ظل الصراع المحتدم وغياب القوانين الرادعة.

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس