ترك برس

استعرض تقرير بصحيفة يني شفق التركية التطورات الأخيرة في ملف العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، مع التركيز على فرص التوصل إلى اتفاق جديد بشأن البرنامج النووي الإيراني في ظل تعقيدات المشهد الإقليمي والدولي.

التقرير الذي كتبه الخبير والمحلل السياسي التركي نيدرت إيرسانال، يتناول موقف كل من واشنطن وطهران، وأدوار الفاعلين الآخرين مثل روسيا وتركيا، إلى جانب انعكاسات محتملة على إسرائيل ودول الخليج.

كما يناقش العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة على مسار المفاوضات، ويرصد الأبعاد الجيوسياسية التي قد تترتب على أي اتفاق مرتقب، وسط مشهد إقليمي متشابك وتحولات استراتيجية أوسع.

وفيما يلي نص التقرير:

لن تُقدم الولايات المتحدة على ضرب إيران، على الأقل في الوقت الراهن. أما عن إسرائيل، فلا يمكننا الجزم بما ستفعله، وإن قررت شنّ هجوم، فلن تحظى بدعم واشنطن. وقد تراود نتنياهو فكرة توجيه ضربة لإيران كوسيلة لـ"تشتيت الانتباه" عن الأوضاع الداخلية في تل أبيب، غير أن تصاعد الأصوات المعارضة من داخل الجيش والمخابرات الإسرائيلية في الأيام الأخيرة سيدفعه إلى التريّث والتفكير مليًّا، فضلا عن موقف ترامب الذي يشكّل معضلة أخرى ينبغي تقييمها بعناية.

ومع ذلك لا بد من فهم ما يجري في الملف الإيراني، الذي بات يبدو وكأنه "المشكلة الوحيدة الملموسة" في المنطقة. فبالرغم من أن الملف يبدو وكأنه يدور بين واشنطن وطهران فقط، إلا أن دور روسيا وتركيا الخاص في هذا السياق لا ينبغي تجاهله. ويمكن القول – بتحفّظ شديد – إن الطرفين يبدوان وكأنهما على وشك التوصل إلى اتفاق.

1ـ يكفي النظر إلى شخصيتي المفاوضين عن الجانبين لفهم الدوافع المشتركة نحو التفاهم؛ "ويتكوف" و"عراقجي" هما الشخصان المناسبان لذلك، وإن كانت المفاوضات ستسفر عن نتائج إيجابية، فستكون على أيديهما.

2ـ ينبغي أن تجري المفاوضات بسرعة لسببين اثنين: أولًا، من المعروف أن إيران بارعة في كسب الوقت والمراوغة، وحتى إن لم تكن لديها نية لذلك فإن أي تأخير سيُحسب عليها. وثانيًا، موقف أوروبا، إذ قد تعيد كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا طرح مسألة العقوبات على جدول أعمال مجلس الأمن الدولي، إنها أداة مناسبة للعب دور "الشرطي السيئ".

3ـ العامل الروسي: كل تقارب بين موسكو وواشنطن في الحرب الأوكرانية، يُعزّز دور روسيا كعامل "مسهّل" في أزمة إيران. وقد أشرنا إلى هذا العامل منذ الأيام الأولى لانتخاب ترامب.

4ـ وفي تلك الأيام، دخلت اتفاقية خاصة بين روسيا وإيران حيّز التنفيذ، وقد أكدت فيها طهران التزامها باتفاق حظر انتشار الأسلحة النووية.

5ـ أما الدلائل المتعلقة بمسار الأمور، فيمكن رصدها في تصريحات القادة، إذ قال الرئيس الإيراني "بزشكيان": "لسنا ضد استثمار رأس المال الأمريكي في الاقتصاد الإيراني."

6ـ إذا ما تأملنا في تصريحات الولايات المتحدة، بل حتى ترامب نفسه، فسنجد أن ما تحتاجه الاتفاقية المحتملة لا يتعدى مطلبًا واحدًا: ألا تقوم إيران بتصنيع سلاح نووي.

7ـ إن مطالبة إيران بـ"التخلي الكامل عن برنامجها النووي" أشبه ما تكون بالسير في حقل ألغام. فإذا أصرّت الولايات المتحدة على هذا الشرط، فسوف ينهار الاتفاق. ورغم أن هذه العبارة تكررت في بداية المفاوضات أكثر من مرة، إلا أن ردود الأفعال الناجمة عنها ربما قادت إلى تعديل الصياغة، لتصبح أكثر مرونة بعبارة: "يجب ألا يتم صنع أسلحة نووية أبدًا".

8ـ يجب متابعة الضغوط التي يمارسها اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة وإسرائيل للعودة إلى الصيغة الأولى من الاتفاق، فهذه النقطة بالغة الخطورة. وإذا ما نظرنا إلى الداخل الإسرائيلي، سنجد من يقول "إن إيران تمتلك بالفعل سلاحًا نوويًا في الوقت الحالي."

9ـ لكن الحقيقة خلاف ذلك. فقد أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بشكل قاطع أن إيران لا تمتلك سلاحًا نوويًا.

10ـ أما مطلب طهران فهو واضح وبسيط: المال. تريد رفع العقوبات عنها وفتح أبواب التجارة أمامها مع العالم أجمع.

11ـ ترامب بدوره قال: "أريد أن تكون إيران دولة غنية وعظيمة، ولكن هناك أمرًا واحدًا، بسيط جدًا: لا يمكنها امتلاك أسلحة نووية."

12ـ الشق الطويل والممل في هذه المفاوضات، التي يبدو أن الطرفين قد اتفقا على بنودها المتبادلة، يتمحور حول كيفية تنفيذ بروتوكولات المتابعة والرقابة. وقد يبدو هذا الأمر بسيطًا ظاهريًا، لكنه ليس كذلك.

13ـ يمكننا تلخيص ما تقدّم على النحو التالي: المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران تمثل نقطة تحوّل في هذا الملف. وإذا ما تحوّلت إلى مفاوضات مباشرة، فقد تُفضي إلى نتائج أكثر تقدّماً. وهذا ما توصي به أنقرة الطرفين: "اجتمعوا وجهاً لوجه".

14ـ يُنظر بتفاؤل إلى الاجتماع المقبل المقرر عقده في التاسع عشر من الشهر الجاري. كما أن تحسّن سعر صرف العملة الإيرانية يُعد مؤشراً على أن السوق بدأ يستفيد من التطورات الإيجابية.

15ـ عند طرح السؤال: "هل الطرفان عازمان على المضي قدماً في المفاوضات؟"، فإن الغالبية العظمى تجيب: "نعم، يبدو أن الأمر كذلك".

16ـ هذه الأجواء السائدة وتلك هي المعطيات الراهنة. ولكن هناك "عوامل خارجية" لا يمكن تجاهلها؛ فما موقف دول الخليج؟ وماذا تقول إسرائيل؟ وماذا عن الصين؟ وما هو التصور المثالي لأنقرة؟ وبافتراض أن كل شيء سيسير كما هو مأمول، فماذا يعني ذلك على الصعيد الجيوسياسي للمنطقة بأسرها؟ بمعنى آخر، أي "خريطة" ستكملها إيران؟

17ـ لا تزال التصريحات الإيرانية الرافضة لبعض دول الخليج وللوجود العسكري الأميركي في المنطقة مستمرة.

18ـ لو بدأنا في سرد التطورات المتتالية والتحالفات الجديدة المثيرة للاهتمام في المنطقة، لطال بنا المقام وامتلأت الصفحات. ومن أبرز هذه التحوّلات: إقامة بعض الدول التركية علاقات جديدة مع إدارة قبرص الرومية (وفي هذا السياق، فإن صمت أنقرة يثير التساؤل وينذر بمفاجآت محتملة)، والعلاقات التي بدأ الاتحاد الأوروبي بإقامتها مع دول آسيا الوسطى والدول التركية، إضافةً إلى ما شهدته جورجيا وأرمينيا وتحركاتهما ضمن هذا الإطار، وكذلك تذمر اليونان مجددًا. كل هذه المؤشرات تشجع على تتبّع ملامح تنافس "غربي - غربي" يمتد أحد طرفيه من بريطانيا إلى نهاية طرفه الآخر في الصين. أما الشرق، فهو كذلك لا يقف على الحياد، بل يُبدي انحيازا لأحد الأطراف.

19ـ وفي هذا المشهد المترامي، تُضاف أيضًا مجازر إسرائيل المستمرة بحق الفلسطينيين في غزة، والوضع المتأزم في سوريا، إلى جانب مقاربة روسيا لمنطقة بحر قزوين والشرق الأوسط، عبر أوكرانيا وما ستخلفه من آثار حالية ومستقبلية على هذه المقاربة. وبعبارة أخرى: إلى جانب من ستقف روسيا في هذا التنافس؟

20ـ يمكن طرح السؤال ذاته بشأن تركيا، لكن بصيغة مختلفة قليلاً: ما الموقف التي ستتخده أنقرة في خضم هذا التنافس؟

21ـ إسرائيل تمرّ بمرحلة عصيبة؛ فهي - بحسب تصريحاتها - في حالة حرب مفتوحة. وأكثر ما كانت تخشاه قد وقع بالفعل على مقربة منها، فوجود تركيا في سوريا أمر يثير قلق إسرائيل. والأسوأ أن الولايات المتحدة لم تُبدِ لها أي دعم يُذكر في هذا الشأن، كما أن إمكانية توصل إيران إلى اتفاق مع الولايات المتحدة تعد كابوساً لإسرائيل. ولكن هل يمكن أن تكون إدارة ترامب وعدتها بخطة تضمن لها شيئًا من الاطمئنان في المستقبل القريب؟

22ـ أما أنقرة، فلا تزال مستمرة في إدارة علاقاتها السياسية مع مختلف الفاعلين الدوليين: الولايات المتحدة، وبريطانيا، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والصين. كما يبدو أنه ليس لديها اعتراض على إمكانية التوصل إلى اتفاق بين إيران والولايات المتحدة.

23. قد تعول تركيا على أن "الاتفاق الإيراني الأمريكي قد يساهم في حل ملفات الإرهاب والعراق وسوريا". فمن وجهة النظر الغربية، تبدو إيران وكأنها المشكلة الوحيدة المتبقية في المنطقة. وسنواصل لاحقًا تحليل التطورات القادمة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!