
ترك برس
تناول مقال للكاتبة والباحثة المصرية صالحة علام، تصاعد التوترات الإقليمية على خلفية التدخلات الإسرائيلية المتزايدة في الشأن السوري، وخاصة الهجمات التي طالت مواقع حساسة مثل القصر الجمهوري ومقر رئاسة الأركان في دمشق، ضمن ما تصفه تركيا بمحاولة لزعزعة استقرار الحكومة السورية الجديدة وتنفيذ مخطط لتقسيم البلاد ضمن مشروع "الشرق الأوسط الجديد".
وتبرز الكاتبة في مقالها بموقع الجزيرة مباشر الموقف التركي الرافض لأي مساس بوحدة الأراضي السورية، مع تحذيرات مباشرة من الرئيس رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية هاكان فيدان من أنقرة ستردّ بقوة على أي محاولة لتقسيم سوريا.
كما تستعرض الدعم الإسرائيلي للحركات الانفصالية، وتجاهلها للتحذيرات الدولية، إلى جانب الإشارة إلى قانون "قيصر" الأمريكي وتعديلاته الأخيرة التي تزيد من الضغوط الاقتصادية على الحكومة السورية، ما ينذر بتعقيد إضافي للمشهد السياسي والأمني في المنطقة.
وفيما يلي نص المقال:
قلق عميق ينتاب الأوساط السياسية والحزبية التركية جراء التطورات المتسارعة التي تشهدها الساحة السورية، وزيادة حجم التدخلات الإسرائيلية في الشأن الداخلي لدمشق، التي وصلت إلى حد قصف مقر رئاسة الأركان والقصر الجمهوري بهدف زعزعة استقرار الحكومة الجديدة، والنيل من مكانتها وإحراجها أمام شعبها، في رسالة واضحة لكل من النظام السوري وداعميه على الصعيد الإقليمي تحديدًا.
مبعث القلق التركي يدور حول ما سبق أن سعت دولة الاحتلال إلى تسويقه دوليًا في إطار رؤيتها للسبل الكفيلة بإقرار الأمن والسلام في المنطقة، وذلك عبر مشروعها المسمى “الشرق الأوسط الجديد”، وخططها بشأن الشكل الذي يجب أن تكون عليه الدولة السورية الجديدة، التي يُفترض تقسيمها إلى أربع دول وفق التقسيم العرقي والإثني للمناطق الجغرافية، والسيناريو الذي تسعى بكل جهدها لتطبيقه للوصول إلى هذا الهدف، رغم أنف دول المنطقة والعالم، بمن فيهم الولايات المتحدة الأمريكية.
تركيا من جانبها أعلنت رسميًا رفضها التام لهذا المخطط الإسرائيلي، أو أية سيناريوهات تستهدف النيل من وحدة الدولة السورية أو المساس بأمنها، وطالبت تل أبيب بالتوقف عن ممارساتها العدائية للشعب السوري وقيادته السياسية، والكف عن محاولة إثارة النعرات العنصرية، وتغذية العداءات العرقية لخدمة مصالحها الخاصة.
الرئيس أردوغان حذّر من أن ما سماها “الأطراف” التي تسعى لإشاعة الفتن وزعزعة استقرار سوريا ستجد تركيا تقف لها بالمرصاد، وسيكون عليها الدخول في مواجهة مباشرة مع بلاده، موضحًا أن محاولات جرّ سوريا للعودة إلى مرحلة ما قبل سقوط نظام الأسد هو محض خيال، وأمر بعيد المنال، وأن بلاده لن تسمح بتقسيمها مهما كانت الدوافع أو حجم الإغراءات.
الولايات المتحدة الأمريكية هي الأخرى أكدت في أكثر من مناسبة على موقفها الثابت من ضرورة الحفاظ على استقرار الدولة السورية، وعدم المساس بوحدة أراضيها، وصدرت عدة تصريحات من مسؤولي إدارة الرئيس دونالد ترامب تساند جميعها القيادة السياسية السورية، وتطالب القوى الإقليمية والدولية بتقديم الدعم الكفيل بعودة سوريا إلى المجتمع الدولي في أسرع وقت ممكن.
إلا أن دولة الاحتلال تبدو مصممة على تنفيذ خططها الرامية إلى تقسيم الدولة السورية، متجاهلة الرفض الدولي والإقليمي لمخططاتها. فهي تسير في طريق تنفيذ مشروعها التوسعي شاء من شاء وأبى من أبى، ويبدو هذا واضحًا في ردّ فعلها السريع، وتدخلها المباشر على خط الأزمة التي اندلعت بين الدروز والبدو في الجنوب السوري، ودفعها العشرات من دروز الجولان المحتل للقتال في السويداء تحت ذريعة حمايتهم من بطش الدولة ونظامها الحاكم.
دعم الدروز لم يكن السبب الوحيد للتدخل الإسرائيلي في الشأن السوري؛ فقد تم رُصد دعمها لمحاولات فلول النظام السابق الرامية لعزل منطقة الساحل التي يتمركز فيها العلويون، وفصله عن سلطة الدولة المركزية، وأثبتت التحقيقات التي أجرتها الجهات الأمنية السورية ضلوع دولة الاحتلال الإسرائيلي في أحداث الساحل التي أودت بحياة عشرات ومئات من السوريين.
إلى جانب تعاونها المعلن مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في شمال وشرق سوريا، ودعم خططهم الرامية إلى إقامة منطقة حكم ذاتي لها بعيدًا عن سلطة دمشق، وسعيها إلى إفشال المباحثات الدائرة بين الطرفين لإدماج قوات سوريا الديمقراطية في الجيش السوري، وإعادة تأهيلهم للاندماج في المجتمع كأحد مكوناته الأساسية.
ورغم رفض واشنطن المعلن للمخططات الإسرائيلية، ومطالبتها قادة الكيان الإسرائيلي بوقف هجماتهم العسكرية وفتح حوار مع حكومة دمشق لخفض حدة التوتر، نجد أن هناك حالة من التجاهل التام تبدو واضحة في مضيهم قدمًا في سياستهم التخريبية، وفي سعيهم لتوظيف اللوبي الصهيوني بواشنطن للضغط على أعضاء الكونغرس لدعم مخططهم الانفصالي.
وهي الضغوط التي أسفرت مؤخرًا عن قيام اللجنة المالية بمجلس النواب الأمريكي بإقرار مشروع قانون لتمديد العمل بـ”قانون قيصر” وإدخال شروط جديدة إليه، تلزم الحكومة السورية بتنفيذها لمدة عامين بدءًا من الموافقة على القانون، الذي سيتم إحالته للتصويت النهائي لاحقًا في مجلس النواب.
يهدف مشروع القانون إلى تحديث القيود المصرفية المفروضة على الحكومة السورية، وزيادة قدرة المؤسسات المالية الدولية والجهات الرقابية التابعة لها على مكافحة عمليات غسل الأموال. كما يفرض شروطًا جديدة ترتبط بملف حقوق الإنسان، ومتابعة مدى قدرة الدولة السورية على تحقيق الأمن والاستقرار، ومنح الأقليات لديها حقوقهم المشروعة بما في ذلك الحفاظ على حياتهم.
وينص مشروع القانون الذي قدمه النائب الجمهوري مايك لولر على تمديد مدة الإعفاء من العقوبات من 180 يومًا إلى عامين كاملين، مع إلزام الحكومة الأمريكية بتقديم إفادة دورية للكونغرس عن كافة التسهيلات التنظيمية والتنفيذية التي يتم منحها للبنك المركزي السوري.
على أن ينتهي العمل بقانون قيصر بالكامل إذا التزمت الحكومة السورية بتطبيق كافة الشروط الواردة في التعديلات الجديدة لمدة عامين متتاليين، أو بحلول نهاية عام 2029.
تطورات من شأنها تعقيد الوضع الاقتصادي في سوريا، وزيادة حدة الاحتقان بين المواطنين من جراء الصعوبات التي ستواجه الحكومة في تنفيذ خططها التنموية لتحسين مستوى المعيشة، مما ينذر بتداعيات شديدة الخطورة على الصعيدين الاجتماعي والسياسي.
وهو ما بدا واضحًا في التصريحات التي صدرت عن قادة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، الذين أكدوا أن تسليم عناصرهم السلاح للدولة وفق الاتفاق المبرم أصبح أمرًا مستحيلًا في ظل الظروف الراهنة، متهمين الحكومة السورية بالتباطؤ في تنفيذ بنود الاتفاق، ومطالبين بتوفير عنصر الثقة، وتقديم ضمانات دستورية قبل بدء عملية تسليم السلاح والاندماج في الجيش السوري.
مما دفع الرئيس أردوغان لتوجيه اتهام صريح لإسرائيل بالسعي لتخريب جهود سوريا لإرساء السلام والأمن، واتهمها بـ”استخدام الدروز كذريعة لتدخلها في الشأن الداخلي السوري في انتهاك واضح لبنود القانون الدولي”، معتبرًا أن مشكلة الشرق الأوسط الأساسية تتمثل في العدوان الإسرائيلي المستمر على الأراضي السورية، مؤكدًا أن بلاده لن تسمح بتقسيم سوريا أو المساس بتعدد ثقافاتها ووحدة أراضيها.
وزير الخارجية هاكان فيدان لم يكتف بالهجوم على إسرائيل، بل وجّه تحذيرًا شديد اللهجة لجميع الساعين إلى تقسيم سوريا قائلًا: “هناك الكثير الذي يمكن التحاور دبلوماسيًا بشأنه، لكن إذا تجاوزتم ذلك، وسعيتم لتقسيم البلاد، وزعزعة الاستقرار، وانتهاج العنف كأسلوب تعامل، فإننا في تركيا سنعدّ ذلك تهديدًا مباشرًا لأمننا القومي، وسنتدخل لمنع أية محاولة للتقسيم، فنحن لن نظل تحت التهديد”.
وهي التصريحات التي تشير بوضوح إلى استعداد أنقرة للتدخل عسكريًا في سوريا كما سبق أن فعلت، بهدف الحفاظ على أمنها القومي، ومنع تمدد العناصر المسلحة على حدودها، التي تجمعها تنظيمات راغبة في إقامة كيانات سياسية تتمتع بالحكم الذاتي بعيدًا عن مركزية الدولة، ولدعم الحكومة السورية في سعيها للحفاظ على وحدة دولتها وتحقيق الأمن والاستقرار لجميع مكونات شعبها.
ومع أهمية هذه الخطوة لضمان أمن تركيا القومي في مواجهة المخططات الانفصالية الإسرائيلية، إلا أن تكلفتها قد تؤدي إلى نتائج سياسية واقتصادية وعسكرية يصعب توقعها، مما يتطلب دراسة دقيقة وتفكيرًا استراتيجيًا بعيد المدى لتجنب تصعيد الأوضاع والاضطرار لتقديم تنازلات فادحة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!