ترك برس

تُعدّ تركيا واحدة من أكثر دول العالم ثراءً من حيث التراث الثقافي والحضاري، إذ تضم على أراضيها نحو 20 ألف موقع أثري مسجل، ما يجعلها متحفًا مفتوحًا يعكس تعاقب الحضارات وتنوع الثقافات على مدى آلاف السنين.

من الحثيين إلى العثمانيين، ومن طروادة إلى غوبكلي تَبه، استطاعت الأناضول أن تحتضن حضارات شكّلت ملامح التاريخ الإنساني، بفضل موقعها الجغرافي الاستثنائي، وتنوعها البيئي، وغناها بالموارد الطبيعية. واليوم، تُقدم تركيا لزوارها فرصة فريدة لاكتشاف هذه الكنوز من خلال الطرق الثقافية المعتمدة من مجلس أوروبا.

الطرق الثقافية: عبور للتاريخ المشترك

أُطلق برنامج الطرق الثقافية لمجلس أوروبا عام 1987 بهدف إبراز كيف يمكن للتراث الثقافي في الدول الأوروبية أن يسهم في تشكيل هوية أوروبية مشتركة. تركيا، عضو فاعل في هذا البرنامج، تحتضن عددًا من هذه الطرق التي تُعيد الزائر في رحلة عبر الزمان، عبر معالم شاهدة على إنجازات الإنسان منذ آلاف السنين.

إليك نظرة على أبرز هذه الطرق الثقافية التي تمر بتركيا:

طريق المدن الحرارية التاريخية الأوروبية: منبع الاستشفاء والتراث

في قلب الأناضول، وتحديدًا في مدينة أفيون قره حصار، تتجلى روعة "السياحة الحرارية" أو ما يُعرف بالـ Thermalism، حيث تلتقي المياه المعدنية الشافية مع عبق التاريخ. تعتبر أفيون عاصمة السياحة الحرارية في تركيا، وموطنًا لتقاليد استشفائية تعود إلى أكثر من خمسة آلاف عام، عندما استخدم الحثيون والرومان والبيزنطيون هذه الينابيع للعلاج والاستجمام.

طريق شجرة الزيتون: رمز الحياة المتوسطية

شجرة الزيتون، هذه الشجرة الأسطورية التي ارتبطت بالسلام والحياة، تجد جذورها الضاربة في عمق الأراضي التركية، لا سيما على ساحل بحر إيجه. تركيا اليوم من بين أكبر خمس دول منتجة للزيتون وزيته، وتُعد مناطق مثل أيوالق، إزنيق، مودانيا، وخليج أدرميت مراكز إنتاج رائدة. لا يكتمل فهم المطبخ التركي دون الغوص في ثقافة الزيتون، التي تشكل جوهرًا من التراث الغذائي في البلاد.

طريق التراث اليهودي الأوروبي: معابد إزمير الشاهدة على التسامح

في مدينة إزمير، يكتشف الزائر أحد أبرز المعالم الدينية والثقافية: مجمع فريد يتكون من تسعة معابد يهودية متجاورة، بنيت بطراز السفارديم بعد طرد اليهود من إسبانيا والبرتغال. تعود جذور الجالية اليهودية في إزمير إلى العصور الهلنستية والرومانية، وقد شكلت عبر التاريخ ركنًا أساسيًا في الهوية المتنوعة للمدينة.

طريق الستار الحديدي: دروب المصالحة على دراجة هوائية

EuroVelo 13، المعروف بطريق الستار الحديدي، هو مسار دراجات يمتد لأكثر من 10,000 كم، ويروي قصة أوروبا المقسمة في الحرب الباردة. يمر جزء من هذا الطريق داخل الأراضي التركية، من تلال درفنت وصولًا إلى أدرنة وقرقلر إيلي، مقدمًا للمسافر تجربة مميزة تجمع بين التنقل البيئي والتأمل في دروس التاريخ.

طريق الخزف الأوروبي: من نيقية إلى العالم

في إزنيق، المدينة التاريخية المعروفة باسم نيقية، يتجلى فن الخزف العثماني بأبهى حلله. بلاط إزنيق الشهير، الذي زين قصور السلاطين والمساجد الكبرى، ما زال يُنتج اليوم وفق الحرف اليدوية التقليدية، ويُعد من أبرز رموز التراث الحرفي التركي، وكنزًا فنيًا يُعرض في متاحف العالم.

طريق أينياس الثقافي: أسطورة طروادة التي وصلت إلى روما

ينطلق طريق أينياس الثقافي من سواحل بحر إيجه في تركيا، وتحديدًا من طروادة وأنتاندروس، ويتجه عبر خمسة بلدان ليصل إلى لاتيوم الإيطالية. هذا الطريق يُعيد إحياء ملحمة "الإنياذة" التي كتبها فيرجيل، ويجمع بين الطبيعة، والأساطير، والمواقع الأثرية مثل جاناق قلعة، باليكسير، وأدرنة.

الطريق الأوروبي للثقافة الميغاليثية: غوبكلي تَبه.. أقدم معبد في التاريخ

من أعظم الاكتشافات الأثرية في العصر الحديث، غوبكلي تَبه في شانلي أورفة، موقع من العصر الحجري الحديث يعود إلى 12,000 سنة مضت. هذا المعبد الغامض، بأعمدته على شكل T ونقوشه الرمزية، يُعد أقدم من أهرامات مصر وستونهنج، ويغير النظرة التقليدية إلى بداية الاستيطان البشري والدين في التاريخ.

تركيا: أكثر من وجهة... إنها رواية حية للتاريخ

من خلال هذه الطرق الثقافية السبعة، لا تقدم تركيا مجرد تجربة سياحية، بل رحلة في ذاكرة البشرية، حيث تتلاقى الحضارات، وتستمر الروابط بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب.

إن زيارة تركيا ليست مجرد استكشاف لمواقع أثرية، بل هي تواصل مع تراث إنساني مشترك، محفور في الحجر، ومحفوظ في تقاليد الطهي، والعلاج، والروحانية، والفن.

المصدر: موقع Go Türkiye الترويجي التركي الرسمي

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!