ترك برس

تناول تقرير للكاتب والسياسي التركي ياسين أقطاي، بصحيفة يني شفق، انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 2025 وما ميزها من تركيز على القضية الفلسطينية وغزة، من خلال جلسة استثنائية خصصت لمناقشة الاحتلال الإسرائيلي وتداعياته الإنسانية والتاريخية.

يسلط أقطاي الضوء على الاعتراف الدولي المتزايد بدولة فلسطين بعد «طوفان الأقصى» في أكتوبر 2023، ويؤكد أن هذا التقدم جاء نتيجة الكفاح البطولي لحركة حماس التي دافعت عن غزة وشكلت القوة الوحيدة الفاعلة في مواجهة العدوان الإسرائيلي.

كما يناقش دور بعض الزعماء والدول في اللقاءات الدولية، مثل الرئيس أردوغان والرئيس الأمريكي ترامب، في محاولة الحد من سياسات إسرائيل العدوانية، ويشير إلى أن محاولات فصل حماس عن أي إطار سياسي تُضعف شرعية القضية الفلسطينية على الأرض.

وفيما يلي نص التقرير:

تميزت أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة لهذا العام في نيويورك بكونها أكثر حيوية وحافلة بالأحداث المهمة مقارنة بالسنوات الماضية. وقد تصدّرت قضية فلسطين وغزة جدول أعمال الجمعية العامة، وكذلك فعاليات القادة والمسؤولين الذين حضروا هذه المناسبة. كما أتاح انعقاد جلسة استثنائية خُصصت لقطاع غزة فرصةً نادرة لعرض قضية الاحتلال الإسرائيلي على العالم بأسره بكل أبعادها التاريخية والراهنة، والوقوف عند جذور المشكلة وتداعياتها.

منذ تأسيس دولة الاحتلال لم تتعرض لهذا القدر من الانتقادات كما حدث هذه المرة؛ فقد تصدّرت سياساتها التوسعية والعدوانية القائمة، وكُشف عن ممارساتها القائمة على الاغتصاب والسلب والانتهاكات على نحوٍ غير مسبوق. وفي الأيام اللاحقة، شهدت جميع الفعاليات الجانبية خارج الجلسات الرسمية لقاءات جمعت القادة على أجندة غزة، حيث وجدوا أنفسهم أمام أجواء جديدة فيما يتعلق بـ القضية الفلسطينية. وقد أعلنت أكثر من 150 دولة اعترافها الرسمي بدولة فلسطين.

ترافقت هذه الاعترافات مع تبريرات سياسية وأخلاقية تستند إلى اتهام إسرائيل بارتكاب انتهاكات جسيمة، وتؤكد على أحقية القضية الفلسطينية، وإن جاءت متأخرة. وكانت غزة المحور الوحيد للقاء الرئيس أردوغان مع الرئيس الأمريكي ترامب، بمشاركة قادة ثماني دول إسلامية. ومثّل هذا اللقاء المبادرة الأولى من نوعها التي يجتمع فيها قادة أو وزراء خارجية إندونيسيا وباكستان وقطر ومصر والعربية السعودية والإمارات مع رئيس أمريكي بهدف مناقشة وقف العدوان الإسرائيلي على غزة.

لقد تبيّن أن اللقاء كان على قدر كبير من الفاعلية والتأثير، وهو ما ينسجم مع ما كان يُتداول منذ فترة طويلة حول استعدادات قام بها الرئيس رجب طيب أردوغان من أجل هذا الاجتماع. وعقب هذا اللقاء مباشرة وجّه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رسالة صريحة إلى بنيامين نتنياهو قائلًا: "يكفي، توقف". كما أعلن، ردًّا على سؤال وُجه إليه، أنه لن يسمح بضم الضفة الغربية، وهو ما تعمل عليه إسرائيل بكامل طاقتها حاليًا.

والسؤال المطروح: هل سيفي ترامب بما قال؟ وهل يملك القدرة على تطبيقه؟ وهل سيتخذ إجراءات عملية أمام "عصيان" نتنياهو المحتمل؟ هذه أمور يصعب الجزم بها. لكن عند النظر إلى مجمل التطورات حتى الآن، يمكن القول إنّ القضية الفلسطينية تحوّلت اليوم إلى قضية عالمية يعترف الجميع بعدالتها وشرعيتها. ولعلّ اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام شكّلت نقطة تحوّل بارزة في هذا المسار.

ولكن، ما الذي أثمر كل هذه النتائج؟ لا شك أن هذه هي آثار "طوفان الأقصى" الذي انطلق في 7 أكتوبر 2023. لقد تكبدت غزة خسائر فادحة وما زالت تتكبدها. إذ ارتكبت إسرائيل مجازر وحشية أودت بحياة عشرات الآلاف من الأطفال في مقتبل أعمارهم، وما تزال تواصل مجازرها. لقد حولت غزة إلى ساحة اختبار لضمير الإنسانية، تحت القصف المتواصل ليل نهار دون توقف منذ عامين. هذه القوة الإبادية المجردة من الإنسانية أثبتت للعالم أجمع، من خلال وحشيتها المطلقة في غزة، أنها تشكل خطرًا على الإنسانية جمعاء.

من لبنان إلى إيران وسوريا واليمن وتونس وقطر، لقد ضاعفت إسرائيل، عبر سياساتها العلنية وأوهامها التي لم تعد تخفيها حول «أرض الميعاد»، الشعور بالتهديد لدى جميع دول المنطقة. وفي مواجهة هذا التهديد لا توجد قوةٌ مسلّحةٌ تقف عملياً لصدّه سوى حركة حماس. لقد كشفت حماس للعالم أن وحشًا بربريًا حقيقيًا يكمن تحت هذا البلد الذي يدعي الديمقراطية والحداثة ويبدو طبيعيا، وهي التي نبهت العالم وأيقظته تجاه هذا التهديد. فبنضالها المشرف لا تدافع عن قضيتها فحسب بل تحذّر الإنسانية جمعاء من هذا الخطر الذي استعبد العالم.

ومع ذلك، فإن المشاركة الاستثنائية الجارية هذه الأيام في إعلان اعتراف بدولة فلسطين، والتي جاءت نتيجةً لتلك التحذيرات، تثير تساؤلاتٍ حول مدى مصداقية هذا الاعتراف، وما قد يتضمنه من خداع أو تضليل. فبينما يقف كل الناس والدول مكتوفي الأيدي أمام قطيع القتلة المعادين للإنسانية، تقف حماس وحدها دفاعاً عن شعب غزة، وهي القوة الوحيدة التي تقف فعلياً في وجهه. ولكن من يهرعون اليوم لإعلان اعترافهم بدولة فلسطين يشترطون هذا الاعتراف باستبعاد حماس.

وعلى أرض الواقع تعمل إسرائيل على تدمير أهم شرطين لوجود دولة قابلة للاعتراف: إذ يقتلون الناس أو يهجرونهم ويستولون على أرضهم. لذا من يعترف بفلسطين اليوم إنما يعترف بدولة بلا أرض وبلا شعب. وفي حين تسرع إسرائيل لتفعيل خطة ضم الضفة الغربية، ناهيك عن غزة، فإنها تهدف عملياً إلى جعل أي دولة فلسطينية يُراد الاعتراف بها باطلة وغير مجدية.

إن ما صدر عن محمود عباس، الرئيس الفعلي للدولة المعترف بها اليوم، من إدانة ليوم 7 أكتوبر في كلمته أمام الأمم المتحدة، ودعوته حركة حماس إلى تسليم أسلحتها، ما هو إلا كوميديا سوداء. فالمكانة المرموقة التي تحظى بها القضية الفلسطينية اليوم هي ثمرة الكفاح البطولي الذي خاضته حماس خلال العامين الماضيين. وإذا كانت دول مثل بريطانيا، وفرنسا، وكندا، والعديد من الدول الأوروبية قد وصلت اليوم إلى مرحلة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فذلك لم يكن ليحدث لولا الجهد الميداني الفعلي الذي قامت به حماس. أما محاولة البعض استبعاد حماس من أي إطار سياسي، فحتى لو اعتبرناها أمرًا «طبيعيًا»، فإن الدعوة التي وجهها محمود عباس لحماس تتجاوز حدود السخرية، وتقوّض تمامًا شرعية تمثيله للقضية الفلسطينية.

وللأسف، فإن جزءاً كبيراً من الدول الإسلامية يتخذ نفس الموقف، لأسباب معروفة. فاليوم، كثير منها لا ينظر إلى حماس بشكل مختلف عن إسرائيل، بل يترقبون بفارغ الصبر زوالها على يد القوة الصهيونية، وبالتالي فإن فشل القوة الصهيونية يمثل خيبة أمل كبيرة لهم.

إن ربط الاعتراف بالدولة الفلسطينية باستبعاد حماس لا قيمة له على الإطلاق، فحماس ليست تنظيماً أو جهازًا أو كيانًا يمكن لأحد فصله عن فلسطين أو استبعاده، بل هي فلسطين نفسها. ولم يكن الأمر كذلك وتُركت القضية الفلسطينية لأمثال عباس، لكانت قد انتهت منذ زمن بعيد.

إن أفضل وصف لحركة حماس هو الحقيقة التي عبر عنها الرئيس أردوغان، والتي يجب أن يُدركها الجميع: إنها حركة مقاومة وطنية تدافع عن وطنها ضد محتلين غاصبين. ومن هنا تستمد شرعيتها ووجودها الحقيقي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!