سعيد الحاج - عربي 21

انتهت البارحة، الثالث والعشرين من آب/أغسطس، المهلة الدستورية المحددة بـ 45 يوما لتشكيل الحكومة في تركيا. أما وقد فشل رئيس الوزراء المكلف أحمد داود أوغلو في تشكيلها وأعاد التكليف لرئيس الجمهورية قبل انتهائها بخمسة أيام، ثم رفض الرئيس تكليف شخصية أخرى - من المعارضة - بتشكيلها لعدة أسباب، فلم يعد أمام البلاد إلا سيناريو الانتخابات المبكرة أو بالأحرى إعادة الانتخابات، وتشكيل حكومة مؤقتة تسير شؤون البلاد حتى ذلك التاريخ وانعقاد مجلس الشعب الجديد.

يطلق على هذه الحكومة اسم "حكومة انتخابات"، ويذكرها الدستور بلفظ "الهيئة الوزارية المؤقتة" في مادتيه 114 و116 اللتين تتحدثان عن تشكيلها إثر فشل تشكيل الحكومة العادية خلال المهلة الدستورية. ولئن لم يحدد الدستور صفات معينة لرئيس الوزراء المكلف بتشكيلها، لكن يبدو أنه من المحسوم أن يكون أحمد داود أوغلو، بصفته رئيس الوزراء الحالي، ورئيس الحزب الأعلى أصواتا في البرلمان، وأيضا - ربما - رئيس حزب الرئيس السابق.

وباعتبار أنها المرة الأولى التي ستشهد فيها تركيا تشكيل حكومة مؤقتة حتى الانتخابات المبكرة بقرار من رئيس الجمهورية، يكثر الجدل والنقاش حول كيفية تشكيلها وصلاحياتها وعملها بل وتوصيفها، خصوصا أن الدستور المعمول به ينحى للتعميم في غالب هذه التفاصيل ويفتح المجال واسعا للتأويلات.

فمثلا، يعطي الدستور الحق في الدعوة للانتخابات المبكرة لكل من رئيس الجمهورية والبرلمان في آنٍ معا، ولكن بصيغتين مختلفتين. فمن حق البرلمان أن يدعو لإعادة الانتخابات (في أي وقت شاء خلال الدورة البرلمانية)، وساعتها يمكنه التصويت على بقاء الحكومة الموجودة حتى إعادة الانتخابات أو إعطاء الثقة لأية صيغة حكومية متفق عليها بين الأحزاب، بينما لا يملك رئيس الجمهورية حين يدعو لهذه الانتخابات وفق الظروف القائمة إلا تشكيل "حكومة الانتخابات"، ولعل ذلك تحديدا ما دعا داود أغلو - حتى بعد إعادته التكليف - إلى حث حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية على التوافق معه على حكومة ثلاثية وإعلان إعادة الانتخابات عن طريق البرلمان.

ولعل السبب واضح جدا للعيان، فهذه الحكومة المؤقتة ينبغي أن تتشكل من الأحزاب الأربعة الممثلة في البرلمان وفق نسب تمثيلها فيه، بعد اختيار وزراء الداخلية والعدل والمواصلات من المستقلين (من داخل البرلمان أو خارجه، وفي الغالب سيستمر الثلاثة الحاليون في مناصبهم). وهذا يعني أن حزب الشعوب الديمقراطي - ذا الجذور الكردية - سيكون ممثلا في الحكومة، بمعنى أن الحكومة التي يفترض أن يكون أهم تحدياتها عنف حزب العمال الكردستاني، سيكون أحد التيارات المشكلة لها هو ذراعه السياسي، وهو ما لا يريده الكثيرون وفي مقدمتهم العدالة والتنمية. وقد زاد من أهمية وخطورة هذا التفصيل إعلان كل من الشعب الجمهوري والحركة القومية عن رفضهما المشاركة فيها.

أما عن تفاصيل وخطوات تشكيل الحكومة، فينص الدستور على أن "من حق" الرئيس أن يدعو إلى انتخابات مبكرة في حال تعثر تشكيل الحكومة خلال 45 يوما من تشكيل "ديوان مجلس الشعب"، بحيث يكلف الرئيس إحدى الشخصيات لتشكيلها، وينبغي أن تشكل خلال 5 أيام من إعلان ذلك في الصحيفة الرسمية. وفي بنود التشكيل، فإن رئيس البرلمان يبلغ رئيس الوزراء المكلف بنسب تمثيل الأحزاب السياسية المختلفة في مجلس الشعب حتى يكوّن حكومته على أساسها. أما في حال رفض أحد الوزراء المختارين المنصب أو استقال منه لاحقا، فيعين رئيس الوزراء أحد المستقلين (من داخل البرلمان أو خارجه) مكانه. ثم يعرض رئيس الوزراء المكلف حكومته على الرئيس خلال هذه الأيام الخمسة، ويكفيه إقرار الأخير لها، حيث لا يشترط الدستور عرضها على تصويت البرلمان لمنحها الثقة.

بيد أن مشاركة الشعوب الديمقراطي غير المرغوب بها، وامتناع الشعب الجمهوري والحركة القومية عن المشاركة، وعمومية نصوص الدستور التي ستؤدي إلى اعتراضات متوقعة من المعارضة، كلها عوامل تضع داود أوغلو - في حال تكليفه المتوقع - أمام اختبار مهم، فما هي خطته للتعامل مع هذا الوضع المعقد؟

أولا، سيتعامل داود أوغلو مع الوزراء المفترضين شخصيا وليس عبر الأحزاب، بمعنى أنه سيختارهم بنفسه من الحزبيين والمستقلين من بين من يرى فيهم شروطا ثلاثة أعلنها: الكفاءة والجدارة والتمثيل المجتمعي. وبذلك سيحاول الرجل إغلاق باب المساومات من الأحزاب المختلفة وخاصة الشعوب الديمقراطي، وحشرهم بين خيارين: إما قبول ترشيحاته أو البقاء خارج الحكومة.

ثانيا، رغم إعلان كل من حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية رفضهما المشاركة في الحكومة المؤقتة، إلا أن داود أوغلو أعلن عن عزمه عرض حقائب وزارية على نواب من هذين الحزبين بشكل شخصي، في محاولة منه لدحض الصورة النمطية من أنه شكل حكومة ثنائية مع الشعوب الديمقراطي، المتهم بدعم العمال الكردستاني أو على الأقل بعدم الوقوف ضده كما يجب.

ثالثا، حتى في حال رفضت الشخصيات المختارة من الحزبين المذكورين المناصب الوزارية، سيعمد داود أوغلو إلى اختيار شخصيات ذات رمزية معينة "محسوبة" عليهما وإن لم تكن ضمن صفوفهما الآن، كنواب أو وزراء سابقين أو قيادات مستقيلة لكنها معروفة تاريخيا بانتمائها السياسي لأحدهما.

أخيرا، يحدد الدستور تاريخ الانتخابات المبكرة كأول يوم أحد بعد 90 يوما من الإعلان عنها، لكن الظروف الاستثنائية في البلاد، خاصة الأمنية والاقتصادية، فرضت النقاش حول إمكانية تبكير موعدها، وقد أكدت اللجنة العليا للانتخابات إمكانية تنظيم الانتخابات في أقل من تلك الفترة وصلاحيتها كلجنة لفعل لذلك، مع ذكر الأمثلة التاريخية السابقة لقرارت مشابهة، وبالتالي فمن المتوقع أن تكون الانتخابات بعد 60 لا 90 يوما، أي في 25 تشرين الأول/أكتوبر أو الأول من تشرين الثاني/نوفمبر القادمَيْن.

ورغم أن الدستور يذكر أنها حكومة "مؤقتة" ومهمتها تسيير شؤون البلاد حتى لحظة الانتخابات المبكرة فقط دون أي صلاحيات تشريعية أو تنفيذية كبيرة - وهو ما يمكن أن يزيد من الناحية العملية من صلاحيات الرئيس - إلا أنها ستدير دفة البلاد في فترة عصيبة من الناحيتين الاقتصادية والأمنية، وهو ما سيكون له تأثيره بلا شك على رأي الناخب ونتائج الانتخابات المرتقبة، وهو ما سنتناوله إن شاء الله بالتفصيل في المقال القادم.

عن الكاتب

سعيد الحاج

باحث في الشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس