د. سمير صالحة - خاص ترك برس

أنت خسرت فرصتك في حياة جديدة كريمة ونحن خسرنا إنسانيتنا فمن هو الخاسر الأكبر؟

الحرب السورية في عامها الخامس والذين يتصدرون المشهد هناك لاعبون كثر لكن لاعبا جديدا دخل على الخط بالأمس وهزمهم جميعا بالضربة القاضية وأزاحهم من قلب المعادلة.

جسد طري لفظته الأمواج على الشاطىء الرملي المذهب في جنوب تركيا فسحة الأمل نحو مكان جديد حياة جديدة فأسقط كل المعادلات والحسابات السياسية والعسكرية التي ترسم معالم الجيوسياسية المقبلة في الشرق الأوسط الكبير.

رئيس الشؤون الدينية التركي محمد غورماز يقول بأن أجساد الأطفال التي ألقت بها الأمواج إلى الساحل، هي في الحقيقة جثث ضمائرنا التي ماتت".

صورة الطفل السوري الذي مات غرقا في مياه بحر إيجه خلال محاولة أسرته اللجوء سرا إلى اليونان تقول حقًا إن البحر لم يتحول إلى قبر للاجئين فحسب وإنما بات قبرًا للضمائر والرحمة كما قال غورماز أيضا.

صورة لوحدها تهزم نظام الأسد رغم تفوقه في حرب الأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة والدعم العسكري والمالي من روسيا وإيران وحزب الله.

قد لا يسقط نظام دمشق في وقت قريب، إلا أن المؤكد هو أنّه لن يخرج بعد الآن أقوى مما هو عليه أمام صورة الطفل المرمي على الشاطىء بعدما رفضت الأمواج والمياه الباردة والقارب المطاطي الذي احتمى به إيصاله إلى الحرية الموعودة التي بخل الأسد عليه بها.

وأنت أيها المجتمع الدولي المنقسم المتلاعب المتجاهل غير المكترث فشلت أيضا في امتحان الإنسانية بعدما سقطت بسبب إدارة ظهرك للصرخة السورية.

لاعبون كثر داخل سوريا وخارجها يتحركون تحت مسميات وأجنحة عسكرية وسياسية وأيديولوجية كثيرة من أجل حسم المعركة والانتصار لكن طفلا مسالما هزمهم لوحده عندما دفع ثمن مستقبله وأحلامه وابتسامته بعدما كشف زيفهم ونفاقهم وتخاذلهم أمام الوعود المقدمة له بالانتقال إلى نظام عادل ودولة حديثة وفسحة جديدة من التعددية والديمقراطية والعيش الكريم.

صورة واحدة كانت كافية لتوجز لنا كيف هزم الكبار وأطراف النزاع الذين يتنازعون منذ عقود على إعادة تشكيل الخارطة الجيوسياسية لسوريا والمنطقة.

طرق وأساليب جديدة من التعذيب الوحشي تبتكر يوميا وتمر دون عقاب. ألن نحاول هذه المرة؟

الحكمة التركية تقول أنه عندما رموا النعجة أرضا لذبحها كانت آخر أمنياتها إرسالها إلى بيت الذئب لتصفية الحسابات معه.

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس