ولاء خضير - خاص ترك برس

تبعت فلسطين على مر التاريخ ولاية الشام، وكانت واحدة من ثلاث ولايات أنشأها العثمانيون في بلاد الشام، وضمن حينها فلسطين خمس "ولايات" بالعربية، أو كانت تسمى بالتركية "سناجق"، وهي القدس وغزة واللجون وصفد ونابلس.

وأولت الدولة العثمانية نابلس اهتماما خاصا، فحينما تصل البلدة القديمة في نابلس تشيح بنظرك هنا وهناك، تذهلك هذه المباني والقصور الفخمة، فكل حجر من حجارتها يشهد حقبة تاريخية، والتي تجاوز عمرها 500 عام، وتحاكي بيوتها وقصورها روايات ذاع صيتها في أرجاء المعمورة إبان الحكم العثماني.

ونذكر في هذا التقرير بعضا من معالم مدينة نابلس، والتي تعتبر إرثا عثمانيا حاضرا وماثلا حتى هذه اللحظة، وهو ما يجعل مدينة نابلس مدينة تاريخية سياحية تشتم بها عبق التاريخ، وأن لهذه الاثار جزءا من الذاكرة التاريخية المشتركة ما بين الشعبين الفلسطيني والتركي.

قصر طوقان

ونولي بالذكر هنا أحد أهم القصور العثمانية قصر طوقان (بوابة البيك)، وﻴﻘﻊ ﻓﻲ ﺤﺎﺭﺓ ﺍﻟﻘﺭﻴﻭﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺘﻭﺴﻁ ﺤﺎﺭﺍﺕ ﻨﺎﺒﻠﺱ ﺍﻟﻘﺩﻴﻤﺔ، وبنى القصر رئيس علماء نابلس إبراهيم بك بن صالح باشا طوقان بتمويل من والده، حاكم منطقة الشمال في فلسطين، كان ذلك منذ ما يقارب 300 عام، وكان الدعم يأتي من قبل الدولة التركية بشكل مستمر.

 تتمثل جمالية المكان برونق البناء، ففي مدخل الحصن أو البيت ساحة سماوية حولها غرف الخدم والدواب، ثم درج عريض يصل إلى ساحة سماوية واسعة فيها بركة كبيرة، وحولها غرف متقابلة ذات أواوين أو مصاطب حجرية وهي "السلاملك "، ثم مداخل الأجنحة فيها غرف مماثلة للحريم"حرملك".

إلا أنه حاله كحال الكثير من الآثار العثمانية، لم يسلم من استهداف واعتداءات الاحتلال الإسرائيلي، حيث تعرض للتدمير والتفجير خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية، وخلال الاجتياح الإسرائيلي الذي تعرضت له البلدة القديمة.

قصر عبد الهادي

وتشمل أيضا البلدة القديمة قصر آل عبد الهادي، وبالنسبة للقصر الأثري فقد شيده محمود عبد الهادي، عندما كان ملتزمًا لمنطقة جبال نابلس إبان العهد العثماني، وعام 1865 ورث القصر عبد الرحيم عبد الهادي، وأجرى عليه تحسينات، وهو حاليًا جزء من وقف العائلة.

يصف الخبير الأثري المهندس نصير عرفات القصر بأنه: "ليس مثل أي مبنى عادي، بل يرمز إلى العمارة العثمانية الإسلامية".

ويكمل المهندس: "يقع القصر على سفح جبل جرزيم في منطقه تتوفر فيها ينابيع المياه، وقد شيد القصر على أرض تبلغ مساحتها هكتارين، ويشغل بناء القصر هكتارا واحدا، وتشغل الهكتار الثاني حديقة كثيرا ما كان الزوار يطلقون عليها اسم "الحدائق المعلقة"، نظرا لتقاربها من الحدائق المعلقة في العراق، هي ساحرة حقة، وتتأمل فيها مطولا لما بها من بناء متقن".

ويحوي كل طابق في القصر مجموعة من الغرف الكبيرة الحجم، والتي لا تقل مساحة الواحدة منها عن 60 مترا مربعا، كما لا يقل ارتفاعها عن سبعة امتار، يتوسط سقفها صحن تحيط به زخرفة إسلامية.

أما سطحها فهو على نظام القباب، ويبلغ عدد الغرف فيه 144. وفي باحة الساحة الكبيرة للقصر التي تتوسطها حديقة تقبع نخلة باسقة عمرها 150 سنة، ولا جدال في أن مبنى القصر القديم يعتبر أضخم مبنى لوالٍ محلي في العهد العثماني من حيث السمات المعمارية.

الابن معين عبد الهادي، والذي يسكن القصر، يستذكر ايام القديمة للقصر، ويقول: "والي القصر هو محمود بيك قائم مقام في العصر التركي، وكان مسؤولا عن جباية الأموال والضرائب للدولة العثمانية، أولى اهتماما خاصا للقصر، وكان في أبهى حلة، وصل صيته إلى أقاصي البلاد، كأجمل بناء هندسي قام به الأتراك حينها، لا سيما تسلسل البناء والحدائق، فهي من غرائب القصر، وكذلك التسلسل المذهل للغرف والسقف، كلها شكلت لوحة فنية، بدى فيها القصر بأروع صورة".

قصر النمر

ونذكر أيضا مشهد آخر من مدينة نابلس، ألا وهو قصر النمر، ويقع في الجهة الشمالية الشرقية من حارة الحبلة، وبني في القرن السابع عشر الميلادي، كان حينها عبد الله باشا النمر واليا على نابلس، وكان قائدا للحملات العسكرية التي أرسلتها الدولة العثمانية لقمع الفتن الداخلية، ولتوفير الأمن للمنطقة.

وينقسم بناء قصر النمر إلى قسمين، قسم شمالي وهو القصر الصيفي، وقسم جنوبي وهو القصر الكبير يؤدي إلى مدخل كبير الحجم، ويتكون من طابقين الأول عبارة عن ساحة مكشوفة وبركة ماء وإسطبلات للخيل، والثاني يتكون من مجموعة من الغرف مقسمة إلى جناحين، جاح خاص بالحريم"حرملك"، وجناح خاص بالرجال"السملك"، وبهذا يعتبر القصر لوحة تاريخية ماثلة وشاهدة على عراقة الدولة العثمانية.

خان التجار"سوق السلطان"

ومن المعالم العثانية العريقة في مدينة نابلس "خان التجار"، ويقع وسط البلدة القديمة، وأوقف هذا الخان الوزير التركي مصطفى باشا سنة 1563-1569م، ثم رمم بناؤه سنة 1690م. ويعتبر معلما تاريخيا هاما للمدينة، ومركزا اقتصاديا  وسياحيا يجذب أنظار الجميع، لما به من جمالية البناء القديم من أقواس وأحجار مزخرفة.

كما يعتبر الآن من أكثر الأماكن ازدحاما في المدينة، حيث يرتاده الناس بكثرة، وأكثر مواقعها شعبية وحيوية. ويصل طول خان التجار إلى قرابة 200 متر، ويضم 52 محلا تجاريا، كما يتميز بوجود محلات متناسقة على شكل أروقة مناسبة لحاجات التجار والزبائن.

ساعة المنارة

تعتبر ساعة المنارة إرثا تاريخيا، وتقع في وسط الساحة القديمة في مركز مدينة نابلس "باب الساحة"، وأنشئت هذه المنارة سنة 1318هـ، وذلك حسب النقش الرخامي الكتابي الواقع على مدخلها الجنوبي.

وأنشئ  البرج على أثر قيام السلطان العثماني عبد الحميد الثاني بإهداء مدينة نابلس ساعة بمناسبة عيد ميلاده، حيث قام الأهالي بإنشاء هذا البرج تخليدًا لذكراه وابتهاجًا بعيد ميلاده.

وهو عبارة عن بناء مربع الشكل عالي الارتفاع يتكون من أربعة طوابق، الأول وهو الأرضي وفيه مدخل البرج، والثاني له شرفة حجرية ونوافذ، والثالث حيث توجد الساعة على الجهات الأربع، الأخير علقت فيه ثقالات الساعة، و يصل إلى أعلى المنارة من خلال سلم داخلي خشبي.

وقد كان لها دور كبير في ضبط مواقيت أهل نابلس، وكان لها موظف خاص مسؤول عن صيانتها، وهي الآن شعار نابلس ورمزها.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!