ترك برس

تذكر الكثير من الصحف والتقارير أن تركيا أصبحت أقوى وأهم دولة بين دول القوقاز ووسط آسيا والبلقان، ولكن تبين الكثير من التقارير أيضًا أنه لا يمكن لتركيا أن تصبح قوية خاصة في منطقة القوقاز إلا من خلال إرساء سياسية توافقية بينها وبين الأرمن تجعل من علاقتهما المتدهورة تاريخيًا وسياسيًا تصبح علاقات تعاون واسعة واستراتيجية.

وعلى الرغم من سعي تركيا إلى تحقيق علاقات تعاون بينها وبين الأرمن بكافة الوسائل والسُبل إلا أن أرمينيا وساستها ما زالوا مصرين على قبول أحداث 1915 على أنها "إبادة جماعية" ارتكبتها الدولة العثمانية ضد المواطنين الأرمن الذين كانوا يقطنون في ظلها وفي ظل إدارتها، كما أن الأرمن ما زالوا يحتلون "كارا باغ" المنطقة الحدودية الموجودة بين أرمينيا وأذربيجان، الدولة الشقيقة لتركيا، التي قام الأرمن باحتلالها عام 1993 وارتكبت خلال احتلالها مجزرة "هوجالي".

ويُرجع الكثير من الباحثين التعنت الشديد للأرمن تجاه قضية أحداث 1915 إلى الحس النفسي للشعب الأرمني الذي تربى وترعرع على أن تركيا هي دولة مجرمة ارتكبت مجازر شرسة ضد أجداده عام 1915، ولتغيير هذا الحس أو الفكر يقترح الباحث السياسي ورئيس معهد القادة الشباب الاستراتيجي التابع لجماعة سلجوق في مدينة قونيا أتامان كوركماز، في دراسة أكاديمية له بعنوان "كيف ستدخل العلاقات التركية الأرمنية مرحلة الانفراج؟" نُشرت بتاريخ 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 على الصفحة الرسمية لموقع المعهد، بأنه "يجب على تركيا من العمل الدبلوماسي والسياسي متعدد الجوانب وليس فقط الجانب الاقتصادي والسياسي بل يجب استعمال القوة الناعمة المعتمدة على السياحة والمؤتمرات الثقافية المتبادلة والدعايات التوافقية الإعلامية وغيرها الكثير من الأساليب الناعمة التي تلعب دورًا تأثيريًا في ترسيخ مرحلة الانفراج بين تركيا والأرمن أكبر من الدور التي تلعبه العلاقات السياسية والاقتصادية فقط".

ويُعدد كوركماز ثلاث جوانب أساسية يرى أنها جوانب مؤثرة جدًا ستمهد الطريق الانفراجية بين تركيا والأرمن؛

الجانب النفسي

يعتقد الشعب الأرمني بأن الأتراك أو العثمانيين في الماضي أرادوا محوهم عن الوجود من خلال ارتكاب أبشع الجرائم والمجازر في حقهم ويعتقد أيضًا أن تركيا إلى اليوم تهدف إلى محوهم واحتلال بلادهم وتشريدهم، وكما أن الكثير من السياسيين الأرمن المتطرفين يقومون بتوظيف هذا الحس النفسي لتحقيق مصالحهم السياسي في الداخل والخارج، بالإضافة إلى أتامان كوركماز يؤكد الصحافي في جريدة ميلييت التركية أوندار يلماز، في تقرير صحفي له بعنوان "تطور العلاقات التركية الأرمنية خلال 2014" نُشر بتاريخ 14 أيار/ مايو 2015، بأنه "وعلى الرغم من أن هذه الحس أو الجانب له آثاره السلبية على المواطنين الأرمن إلا أن له أثر إيجابي أيضًا إذ يعتقد الأرمن أنه من أجل إبقاء الأرمن دولة حرة مستقلة سالمة من التهديد والاحتلال التركي فلا بد من علاقات إيجابية وجيدة معها" ويؤكد كوركماز ويلماز بأن "هذا الأثر يولد فرصة ذهبية لتركيا للعمل بكل جهد وصبر وعناية على إعداد حملات دعائية إعلامية ضخمة تستهدف المواطن الأرمني بشكل مباشر وتؤكد له  بأن تركيا تقبل به كمواطن شقيق لها في دولة مجاورة على علاقات جيدة مع تركيا، وكما يمكن استهداف الطلاب الأرمن بالمنح التعليمية وإحضارهم لتركيا وتخصيص لهم معاملة وتوجيه خاص وبهذا تكون تركيا قد استطاعت دعم التواصل بين الأجيال القادمة وأحدثت تغيير إيجابي على المدى البعيد في العامل النفسي لدى أجيال الشعبين القادمين".

ويكمل كوركماز اقتراحاته بهذا الشأن مضيفا ً بأنه "يمكن أيضا ً فتح قناة تابعة للتلفزيون التركي الرسمي باللغة الأرمنية تستهدف الأرمن وشعبها، تنظيم الرحلات الترفيهية الثقافية المتبادلة بين الطرفين وغيرها الكثير من الأنشطة الناعمة التي تحدث تغير جذري فعال على المدى البعيد".

عامل اقتصادي

العلاقات الاقتصادية هي العلاقات الوحيدة التي يمكن أن تستمر بين حتى الأعداء في إطار النظام السياسي الدولي الجديد، ويشير يلماز بأنه "يمكن لتركيا اتباع نظرية "التفوق المقارن" الاقتصادية في علاقاتها مع الأرمن وتعتمد هذه النظرية على تبادل التجارة والورادت والصاردات بناءًا على حاجة الدولة أو بناءًا على النقص الذي يوجد في البضائع التي تحتاج إليها الدول المتبادلة للتجارة ويحذر ديفيد ريكاردو من تبادل البضائع المتوفرة في كلا البلدين حتى لا يحدث نتائج سلبية عكسية على التعاون التجاري الاقتصادي بين الطرفين ويؤد ريكاردو بأن تباد البضائع الناقصة سيعود بالمردود الإيجابي الملحوظ للدول المتعاونة"، ويبين ييلماز بأنه "على الرغم من قيام تركيا بإغلاق الباب الحدودي التجاري "تيكنيس" بينها وبين الأرمن عام 1993 إثر مجازر هوجالاي إلا أن التجارة الغير رسمية "التهريبية" بين تركيا والأرمن وصلت إلى مستوى عالي وأصبح متنوع الأمر الذي لفت انتباه الجهتين السياسيتين في تركيا والأرمن إلى إعادة نشاط علاقتهم الاقتصادية بشكل رسمي ونشط كما كان في السابق لتجنب عمليات التهريب الغير مراقبة إداريًا وجمركيًا".

العامل السياسي

يشير كوركماز في هذا الإطار بأن "العلاقات السياسية بين الطرفين يمكن تطويرها من خلال مبادرة تركيا بدعوة الأرمن إلى اتحاد البحر الأسود الاقتصادي الذي تلعب تركيا الدور القيادي به، إعطاء تركيا الفرصة الواسعة والمفتوحة لمنظات المجتمع المدني لتطوير العلاقات الثقافية والتاريخية والاجتماعية الحوارية والتجارية وبالتالي التمهيد للتأثير على السياسيين لدفعهم للاستجابة للضغط الشعبي الذي يمكن أن يصبح إيجابي بعد نشاطات منظمات المؤتمر الاجتماعي بشكل جاد ونشط".

ويؤكد كوركماز "أن إمكانية تسوية العلاقات بين تركيا والأرمن ليس بالأمر المعقد الصعب ولكن أمر يحتاج إلى الدقة والأسلوب الناجح وأكبر مثال على نجاح دول أعداء دمرت نفسها خلال الحرب العالمية الاولى والثانية هي فرنسا وألمانيا اللتان تصالاحتا بعد استخدام الأسلوب الاقتصادي المُعتمد على ربط الموارد الاقتصادية تحت إدارة سياسية موحدة وهي الاتحاد الأوروبي".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!