جلال سلمي - خاص ترك برس

بعد بدء تأسيس الدول القومية بعد الثورة الفرنسية، 1789، عمدت هذه الدول القومية إلى تأسيس أنظمة سياسية واقتصادية واجتماعية منتظمة وقائمة على أسس ومبادئ نظرية مُتزنة وأدعت الحاجة لتأسيس هذه الأنظمة إلى ظهور العديد من المُنظرين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين الذي لعبوا دورًا كبيرًا في إبراز العديد من النظريات التي تبني كيان الدولة القومية بكافة أسسه المتنوعة.

ومن أهم هذه الأسس التي تبني كيان الدولة القومية؛ الأس الاقتصادي الذي يُعد عصب الدولة القومية وأساس حركتها وبقاؤها. هناك العديد من العناصر المُكونة والمُشكلة للنظام الاقتصادي القومي مثل الدخل القومي والناتج القومي الإجمالي والجاري المفتوح وحجم التجارة الخارجية وغيرهما ولكن يبقى الهدف الأساسي للنظام الاقتصادي هو الانتاج والعمل على زيادته دومًا.

ويعتبر الدخل القومي هو المؤشر الأساسي لحجم الانتاج ويرتبط بحجم الانتاج ارتباطًا طرديًا وطيدًا، ويمكن قياس حجم الانتاج من خلال حجم الإنتاج الزراعي والصناعي والخدماتي ويُقيم الدخل القومي بمستواه الإيجابي والسلبي من خلال مستوى النفع العائد على المواطنين.

ويعمل النفع العائد على المواطنين والذي يُسمى اقتصاديًا نصيب الفرد من الدخل على إظهار مدى قوة إنتاج المواطنين في الدولة القومية ومدى الدخل الذي يستطيعون تحقيقه من خلال هذا الإنتاج وكما يمكن من خلال مستوى النفع العائد على المواطنين يمكن تحديد مستوى الرفاهية الاجتماعية ومقاييس الحياة الأساسية التي يتمتع بها المواطنين.

وبما يخص تركيا؛ فقد أظهر التقرير السنوي للدخل القومي الخاص بصندوق النقد الدولي فإن تركيا احتلت المرتبة السابعة والستين محققة بذلك تقدم ملحوظ وإيجابي مقارنة بالسنوات السابقة حيث كان مستوى تركيا من ناحية الدخل القومي في مرتبة الثمانينات.

وكتقييم موضوعي لمستوى الدخل القومي التركي؛ يبين الخبير الاقتصادي حسين أسلان، في دراسة أكاديمية اقتصادية له بعنوان "تركيا في المرتبة السبعة والستين" نُشرت في جريدة خبر ترك بتاريخ 25 أيلول/ سبتمبر 2015، بأن"التقدم الاقتصادي التركي في مستوى الدخل القومي حقق تقدم ملحوظ مقارنة بالسنوات السابقة وهذا يعتبر رصيد إيجابي لخطط تركيا الاقتصادية التنموية في الفترة الأخيرة".

ولكن يضيف أسلان بأن"هذا التقدم الذي يجعل دخل المواطن التركي متدني الدخل 10 دولار بعد أن كان أقل من دولار واحد في السنوات السابقة يبقى ضعيفًا ويحتاج إلى تطوير أكبر مقارنة بالدول الأخرى المجاورة لتركيا، ولكن هذا لا يجعلنا نقلق لأن تركيا كانت في ويلات وأزمات اقتصادية شرسة في الفترات السابقة وهذا يُعتبر تقدمًا اقتصاديًا إيجابيًا في مستوى الرفاهية الاجتماعية وإن كان بطيئًا فهذا يعود إلى خط سيره الاقتصادي العادي الذي يحتاج بعض الوقت ليتسنى له الحصول على مستوى إيجابي ومميز".

وتؤكد الخبيرة الاقتصادية خديجة كاراهان في دراسة متصلة بذات الموضوع بعنوان "تصدير الخدمات" بأن "بطء الدخل القومي يعود إلى عدم تكامل الانتاج الاقتصادي في المجالات الاقتصادية "الزراعة والصناعة والخدمات" إذ أن تركيا في الفترة الأخيرة اتجهت إلى تطوير وتنمية القطاع الصناعي والذي تطور بنسبة 3,8% في الربع الثاني لمستوى تقدم الاقتصاد التركي ولكن القطاع الزراعي لم يشهد تقدم بل على العكس شهد تراجع غير محمود بلغت نسبته ـ 1,8 % وكان قطاع الخدمات دخله بنسبة 2,7 % وهذه نسبة غير مطمئنة مقارنة بوضع تركيا المتاح للكثير من الخدمات".

وتُرجع كاراهان عدم تطور القطاع الزراعي والخدماتي في تركيا إلى عدم تكامل الخطط الاقتصادية المنوعة في تركيا، حيث يعمد الخبراء الاقتصاديون في تركيا إلى التركيز بشكل شبه تام إلى قطاع الصناعة لاعتقادهم بأن القطاع الصناعي هو  القطاع الأنجع اقتصاديًا ولكن هذا يؤثر سلبًا على مستوى الدخل القومي للعاملين في القطاع الزراعي والخدماتي الأمر الذي يؤثر سلبًا على المستوى العام للدخل القومي في تركيا".

وتقترح كاراهان على الحكومة التركية" اتخاذ خطوات جادة في تقديم الدعم النقدي والعيني للمزارعين وتخفيض الضرائب المفروضة على المنتجات الزراعية ليتسنى للقطاع الزراعي الرجوع إلى مستواه التقدمي السابق ولتجنب التبعية الاقتصادية الزراعية لأي دولة أخرى".

وكما تقترح كاراهان "قيام الحكومة التركية بتنظيم العديد من المعارض التجارية ونشر العديد من الدعايات السياسية التي تدعم قطاع الخدمات وتعريفه حتى يتم الحصول على اتزان في التقدم الاقتصادي بين قطاعات الاقتصاد المتنوعة".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!