جلال سلمي - خاص ترك برس

تشهد الوثائق التاريخية بأن العلاقات التركية الألمانية تُعد من أقوى العلاقات السياسية المتبادلة على مر التاريخ، وبدأت هذه العلاقات بالتطور تحديدا ً بعد العلاقات القوية التي جمعت بين السلطان العثماني عبدالحميد الثاني وملك ألمانيا في ذلك العهد ويلهلم الأول ومن ثم ولي عهده ويلهلم الثاني.

عمل السلطان عبد الحميد الثاني على التقرب لألمانيا بشكل خاص لأنها كانت الدولة الوحيدة المنافسة للدول الإمبريالية في ذلك العهد مثل الإمبراطورية البريطانية وفرنسا وإيطاليا، ولصد عبدالحميد الثاني أطماع الدول الإمبريالية عن الدولة العثمانية منح ألمانيا الكثير من الامتيازات السياسية والاقتصادية واستمرت هذه الامتيازات وعلاقات الصداقة والود الشديدة بين الدولة العثمانية وألمانيا حتى بعد عزل السلطان عبد الحميد من قبل حزب الاتحاد والترقي "تركيا الفتاة" عام 1909.

وفي عهد حكومة الاتحاد والترقي قويت العلاقات بين الدولة العثمانية وألمانيا وأصبحت أكثر تنوعا ً وأكثر متانة ً وتطورا ً ووصلت إلى قمة الذروة بتأسيس اتفاقياتي "الصداقة التاريخية" و"أخوة السلاح" الاتي على أثرهما دخلت تركيا الحرب العالمية الاولى إلى جانب ألمانيا.

دخول الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا كان الأمر الذي قضى عليها بشكل كامل وإلى الأبد وتأسست على أطلالها الجمهورية التركية التي قامت بدورها بتطوير علاقاتها مع جميع الدول الأخرى على أساس الحياد وهذه العلاقات شملت ألمانيا ولكن ليس على أساس الاتفاقيات السابقة بل كانت علاقات اقتصادية مبنية على أساس حذر يرعى المصالح المتبادلة.

وبعد الحرب العالمية الثانية وبعدما انقسمت ألمانيا إلى ألمانيا الغربية وألمانيا الشرق رجحت تركيا تأسيس علاقاتها مع ألمانيا الغربية وكان العلاقات فيما يبنهما علاقات عادية مبنية على أساس المصالح المتبادلة واستمرت هذه العلاقات بهذا الشكل الطفيف بعيدة عن التنافس إلى عام 2010 حيث بدأت الحكومة التركية بإرساء مشاريع تطوير وُصفت بالعالمية الجذرية حولت تركيا من دولة فرعية إلى دولة مركزية تتوسط القارات الثلاث القديمة برا ً وجوا ً وبحرا ً وسياسيا ً واقتصاديا ً وهذا ماسيحرم ألمانيا الكثير من المميزات التي كانت بحوزتها قبل تطور تركيا.

وحسب الكثير من الخبراء والباحثين السياسيين تطور تركيا بهذا الشكل دفع ألمانيا إلى التنافس الشديد مع تركيا لإحالتها دون تنفيذ هذا المشاريع التي تسعى لتنفيذها من أجل الحصول على مركز اقتصادي خاص يجعلها مركز للاستثمار ومهبط للرحلات الطويلة ذات التحويلات وغيرها الكثير من المميزات التي بحوزت ألمانيا.

ويفيد الكثير من الخبراء بأن تطور تركيا بهذا الشكل جعل ألمانيا تصبح الداعم الأول بشكل عسكري ضمني وإعلامي واضح لحزب العمال الكردستاني الإرهابي وجميع المظاهرات المُناهضة للحكومة في تركيا مثل الدعم الألماني الواضح لمظاهرات غيزي بارك عام 2012 الأمر الذي خلق نوعا ً من الحذر وعدم الثقة المتبادلة بين الطرفين.

يبين الخبير في العلاقات الدولية كمال إيناط، في دراسة أكاديمية له بعنوان "مشكلة ثقة بين تركيا وألمانيا" نٌشرت على الصفحة الرسمية لمركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" بتاريخ 26 أيلول/ سبتمبر 2015، بأن "من غير الصحيح تقييم العلاقات السياسية بين عناصر المجتمع التركي على أساس الثقة لأن هذا الأساس لا محل له في تلك العلاقات أصلاً لأن جميع العلاقات السياسية المتبادلة بين الدول تُبنى على أساس الحذر المتبادل، ولكن تبقى بعض الدول تضع علاقاتها على مستوى، محدود جدا ً، من الثقة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وتركيا وألمانيا قبل الحرب العالمية الأولى".

ويُرجع إيناط مشكلة عدم الثقة الغير متبادلة بين الدولتين إلى "شروع ألمانيا بدعم العناصر المُضادة لمصالح تركيا، كان يمكن لألمانيا بناء علاقات سياسية واقتصادية وتعاونية بينها وبين تركيا المتطورة وليس علاقات تنافسية كم تقوم بها اليوم؛ هل ألمانيا على قناعة بأن ستستطيع تحقيق هدفها في إخماد تطور وتقدم تركيا من خلال العلاقات التنافسية؟".

يشير إيناط في دراسته إلى "أسلوب التعاون المتبادل بين الدول في العلاقات الدولية السياسية المبنية على الأسلوب المُكمل والأسلوب المُعتمد على لعبة 1+1 والذان يكفلا الفائدة المتبادلة والمُتكاملة للدول التي تتبعه وتحاول تطبيقه، ويضيف إيناط بأن "على ألمانيا قبول تركيا مثلما قبلت عدوها اللدود فرنسا من قبل، ولتعلم بأنها استطاعت التطور وفرنسا من خلال التعاون الاتحادي المتبادل للمصالح وليس التنافس المتبادل للضرر والخسران لبعضهما البعض، يجب على ألمانيا القبول بتطور تركيا والتحرك معها على أساس دولة متطورة تسعى إلى الاتحاد مع الدول الأخرى لترجع الثقة المتبادلة بينها وبين تركيا وإلا فإن التنافس المُضر التي تقوده ألمانيا سيعود بالضرر الكبير عليها قبل أن يعود على تركيا".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!