
جلال سلمي - خاص ترك برس
"أصبح داء الإرهاب من أكثر الأمراض الوبائية التي أصبحت منتشرة في أكثر من بقعة حول العالم ولكن هناك العديد من الدول الحازمة التي تتعامل معه بشدة وتستطيع صده بكل قوة منيعة".
بعد انطلاق ثورات الربيع العربي في أكثر من دولة عربية حولنا أصبح لمصطلح "الحروب الجيوسياسية" طنين مُدوي بين أفواه الخبراء السياسيين والأكاديميين والسياسيين أصحاب القرار في أكثر من دولة وأكثر من إقليم، وحسب الخبير في مجال الجيوسياسة طوغرول إسماعيل الذي يتطرق لتعريف الجيوسياسية (الجيوبوليتيك) وأنواعها من خلال دراسة أكاديمية له بعنوان "تحليل التحركات الروسية في إطار الحروب الجيوسياسية" نُشرت على الصفحة الرسمية لمركز الأبحاث الاستراتيجية التركي "طاسام" بتاريخ 28 أيار/ مايو 2008، بأن الجيوسياسية هي سياسة "تعني التمدد الجغرافي والفكري والثقافي والاقتصادي لدولة ما لبسط نفوذها السياسي على دول أخرى".
وفيما يخص الأساليب والأدوات والوسائل التي تستخدم لتنفيذ التوسع الجيوسياسي يبين إسماعيل بأن "أساليب التوسع الجيوسياسي تغيرت وتطورت مع مرور الوقت ومع تغير الأنمطة السياسية على الساحة السياسية الدولية، بدأ التوسع الجيوسياسي منذ أوائل الحياة الإنسانية من خلال الهجرة والاستيلاء المباشر على المناطق الجغرافي الأخرى للمجتمعات الأخرى واستمر هذا الأسلوب الاعتدائي والحرابي المباشر إلى الحرب العالمية الثانية إذ بعد هذه الحرب ظهر قطبان سياسيان أساسيان على الساحة الدولية وهما الولايات المُتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي وبعد هذا التاريخ بدأ أسلوب التوسع الجيوسياسي المُعتمد على الأسلوب الإيدولوجي وأسلوب الدعم المادي والعسكري، ولكن طرأ في هذه الفترة أسلوب التوسع العسكري من خلال اعتداء الاتحاد السوفييتي على الثورة المجرية المنتفضة في المجر بتاريخ 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 1956 ولكن كانت الصورة العامة للتوسع الجيوسياسي هو اعتماده على الأسلوب الإيدولوجي وأسلوب الدعم المادي والعسكري".
ويضيف إسماعيل بأن "الأسلوب الأخير والذي زاد استعماله بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وهو الأسلوب الفكري والفلسفي المُعتمد على النظريات والديانات وفي حال عدم نجاعة هذه الأساليب الاعتماد على الأساليب الإرهابية مثل دعم الجماعات الإرهابية المتمردة على سياسة الدولة أو من خلال الإرهاب الاقتصادي أو الثقافي الذي يهدف إلى ترويع مجتمعات الدول الأخرى من خلال الادعاء زورًا بانهيار البعد الاقتصادي والثقافي الأخلاقي للدولة المُستهدف وتروج هذه الادعاءات من خلال وسائل الإعلام التي تُعتبر الأكسجين لمثل هذه الادعاءات، ومن أكثر المستعملين لهذه النظريات الفكرية بنجاح وتأثير قوي الغرب وأما من أكثر الدول المستعملة للتوسع الجيوسياسي المُعتمد على الدين هي إيران التي تستخدم المذهب الشيعي للتوسع في المنطقة وأكثر الأمثلة وضوحًا على استخدامها لهذه الأسلوب هو ثقلها ونفوذها الملحوظ في العراق".
ومن الجدير بالذكر أن إسماعيل يقوم هنا بتناول تطور أساليب التوسع الجيوسياسي على مدى تاريخي ولكن هذا لا يعني بأن الفترات التاريخية اعتمدت على أسلوب جيوسياسي واحد بل كان هناك تشابك للأساليب الجيوسياسية في أكثر من ظاهرة مثل الظاهرة الحية اليوم التي تسطرها إيران من خلال تقديم دعمها الاقتصادي والعسكري وتستخدم مذهبها الديني وأسلوبها الفكري والفلسفي وحتى اعتداءها العسكري المباشر من أجل بسط نفوذها في العديد من المناطق العربية مثل سوريا واليمن والعراق وغيرهما.
ويتناول الكاتب السياسي عبد الله مراد أوغلو تعرض تركيا لهذه النوع من الحروب من خلال مقال سياسي له بعنوان "الحروب الجيوسياسية والإرهاب" نُشرت في جريدة يني شفق بتاريخ 19 تشرين الأول/ أكتوبر 2015، ويشير مراد أوغلو، في مقاله، إلى أن "هناك عملية حرب جيوسياسية جسيمة تواجه تركيا في الفترة الحالية من خلال الحروب الجيوسياسية التي تخوضها إيران وروسيا الصين وحلفائهما في سوريا والعراق وإقليم كردستان العراقي المستقل على صعيد وعلى صعيد آخر الولايات المُتحدة الأمريكية وحلفائها الذين يقودون هم أيضا ً حرب جيوسياسية بدعمهم الواسع لحزب الاتحاد الديمقراطي في شمال سوريا".
ويضيف مراد أوغلو بأن "الحروب الجيوسياسية التي تخوضها إيران وروسيا والصين في سوريا والعراق تعتمد على جميع الأساليب الخشنة والناعمة التي تًستخدم من أجل تنفيذ هذا النوع من الحروب، وأهم هذه الأساليب الرابط المذهبي مابين إيران ونظام الأسد وحكومة العراق وأهمية الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي تمثله سوريا لروسيا حيث تعتبر سوريا أخر معقل لروسيا في منطقة الشرق الأوسط ويعز على روسيا ترك هذا المعقل بهذه السهولة وذلك لأنه يعتبر تمددًا جيوسياسيًا استراتيجيًا ومميزًا لها في منطقة الشرق الأوسط وترى هذه الدول منافسة تركيا لهم فتقوم باستخدام الأسلوب الإرهابي، الإرهاب المُتمثل بحزب العمال الكردستاني، لصد تركيا عن أهدافهم في المنطقة".
ويوضح مراد أوغلو بما يخص الولايات المُتحدة الأمريكية بأنها "تحاول عزل تركيا عن سوريا من خلال تقسيمها وخدمة المشروع الكردي الانفصالي الذي يهدف تأسيس دولة كردية مُستقلة في شمال سوريا وهذا مايؤثر على تركيا استراتيجيًا وتحاول الولايات المُتحدة الأمريكية موازنة موقعها الجيوسياسي مع روسيا في سوريا من خلال التمسك بدعم حزب الاتحاد الديمقراطي".
ويختم مراد أوغلو مقاله بالقول "أصبحت هذه الحروب الجيوسياسية تستهدف تركيا بشكل مباشر وأصبح داء الإرهاب الذي يُستعمل كأسلوب في هذه الحروب من أكثر الأمراض الوبائية التي أصبحت منتشرة في أكثر من بقعة حول العالم ولكن هناك العديد من الدول الحازمة التي تتعمل معه بشدة وتستطيع صده بكل قوة منيعة وتركيا لن تتهاون في صد هذه الحروب وأساليبها وحماية نفسها بكل حزم وشدة".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!