إسماعيل ياشا - أخبار تركيا

الحرب الشرسة التي قررت جماعة فتح الله كولن شنها ضد رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية أدخلت الجماعة طريقا يجعل الرجوع أصعب من ذي قبل كلما تقدمت فيه وقطعت شوطا جديدا. وكانت الجماعة تعتقد أن هذا الطريق سيؤدي بها إلى التخلص من أردوغان الذي باتت تسميه “يزيد”، في إشارة إلى يزيد بن معاوية، ويعيد للجماعة تلك الأيام التي وصل فيها نفوذها وتغلغلها للقمة، ويكسبها مرة أخرى ما فقدته من هيبتها وسيطرتها على أجهزة الدولة، إلا أن الرياح لم تهب كما تشتهي سفن الجماعة، وبدأت الأوضاع بالنسبة لها تنحدر من السيئ إلى الأسوأ.

لم تنجح الجماعة في إسقاط أردوغان ولم يأت أيضا “التدخل الإلهي” الذي وعدت به أتباعها ليخلصهم من أردوغان. وقد طلبت منهم أن يدعوا الله ليقبض روح أردوغان ورفعوا أياديهم أياما وليالي وانتظروا “البشرى” ولكن خبر موت عدوهم اللدود لم يصلهم حتى الآن.

التململ في صفوف منتسبي جماعة كولن يزداد يوما بعد يوم، لأن الوعود التي تقدمها الجماعة لم يتحقق أي منها. وبالإضافة إلى ذلك، أصبحوا في المجتمع شبه منبوذين. وكان بالأمس القريب، قبل أن تعلن الجماعة الحرب ضد الحكومة، معظم الناس يتعاطفون مع الجماعة وأعضائها، ويحسنون الظن فيها، ويحاولون أن يسجلوا أبناءهم في مدارسها، ويتبرعون لمؤسساتها بسخاء، ويشاركون في الفعاليات التي تنظمها. ولكنهم اليوم يهربون منها، ويقاطعون مؤسساتها ووسائل إعلامها، ويرفضون التبرع لمؤسساتها، ولا يسجلون أبناءهم في مدارسها، بل يرون قادتها وأعضاءها “خونة” يشكلون خطرا على أمن الدولة. وليس من السهل أن يتحمل الإنسان وقع تحول المجتمع الذي يحيط به من صديق إلى عدو في فترة وجيزة ليشعر بأنه غير مرغوب فيه على الإطلاق.

الجماعة تحث أتباعها على الصبر والثبات ولكن كبار قادتها يهربون بأموالهم واحدا تلو الآخر خارج البلاد ليعيشوا في الولايات المتحدة أو في أوروبا في رخاء. وهذا مما يثير تساؤلات في صفوف رجال الجماعة ويزيد الاستياء من الطريق الذي تسير عليه الجماعة حاليا. وكان المشاهير من منتسبي الجماعة يطلبون من الجميع أن يساندوا “بنك آسيا” التابع للجماعة بإيداعاتهم حتى لا يعلن إفلاسه إلا أنهم هم أنفسهم سحبوا جميع إيداعاتهم من البنك، كما فعل اللاعب السابق للمنتخب التركي هاكان شوكور، الأمر الذي دفع أتباع الجماعة إلى عدم الثقة فيما يقوله قادتهم.

لا شك في أن ما تقدم من أسباب التململ في صفوف جماعة كولن، ولكن أكثر ما يزعج أتباع الجماعة تحول الجماعة إلى أكبر داعم لحزب العمال الكردستاني، لأن الجماعة كانت تتهم الحكومة التي أطلقت مبادرة عملية السلام الداخلي، بالتساهل في مكافحة حزب العمال الكردستاني، ولكنها اليوم تبذل قصارى جهدها لدعم حزب الشعوب الديمقراطي، الذراع السياسي للمنظمة الإرهابية، وتدعو منتسبيها إلى التصويت لهذا الحزب. ومهما كان الأتباع في مثل هذه الجماعات يفعلون ما يطلب منهم دون تساؤل إلا أن الدعوة إلى التصويت لصالح حزب الشعوب الديمقراطي ليس من السهل أن يستجيب لها ناخبون تربوا بمزيد من المشاعر القومية التركية.

ويدور الحديث الآن أن كثيرا من أتباع الجماعة الذين صوَّتوا في الانتخابات الأخيرة التي أجريت في السابع من يونيو / حزيران الماضي لصالح حزب الشعوب الديمقراطي ليتمكن من تجاوز الحاجز الانتخابي تلبية لدعوة الجماعة، لن يصوِّتوا في الانتخابات المبكرة لهذا الحزب مهما طلبت الجماعة منهم ذلك، ومنزعجون من موقف الجماعة من الهجمات الإرهابية التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني ضد قوات الأمن التركية.

الجماعة منذ أن أعلنت الحرب ضد إرادة الشعب التركي تتحرك مثل الشاحنة التي تسير نحو أسفل المنحدر بلا فرامل، وما زالت تحاول إثارة الفتن والقلاقل لتتسنى لها فرصة الاصطياد في الماء العكر. وبدأ العقلاء من أتباعها يدركون عاقبة هذا ذلك، ولكن البقية منهم إما يرون أنه فات الأوان للرجوع وإما مخدرون مثل الحشاشين أتباع الحسن الصباح يمتثلون للأوامر التي يلقنون.