أ. د. داود عبد الملك الحدابي - خاص ترك برس

بينما أنا متجه على الطيران التركي من عمان في الأردن إلى مدينة إسطنبول التركية قرأت على متن الطائرة مقالات متعددة تعكس وجهات نظر مختلفة في الشأن التركي لا سيما فيما يتصل بالانتخابات الأخيرة تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، وكمتتبع للشؤون التركية في السنوات الماضية نتيجة لصعود تركيا في عدد من المجالات وبعثها للأمل بين  ملايين المسلمين في أصقاع العالم والذي يزيد عددهم عن 1.5 مليار ويسكنون في 57 دولة كأغلبية ويعيش ما تبقى منهم كأقليات في جميع دول العالم. لا سيما وأن أغلب النازحين والمهجرين والقتلى والحروب في عالم اليوم أغلبهم في بلاد أو مناطق المسلمين. ولا نريد أن نخوض ونشخص المرض ونوصف العلاج. فهذا له باحثون ومتخصصون قد كتبوا ولا يزالون يكتبون حول هذا الموضوع. موضوعنا اليوم تركيا ليس فيما مضى ولكن فيما سيأتي.

أصبحت شؤون العالم ومصالحه اليوم متداخلة وبجانب الحق من يرى أنه يمكن أن يعيش دون تفاعله الإيجابي مع دول العالم.

ولقد سعت تركيا في العقد الماضي أن تركز على عملية التنمية في الداخل وتوظيف الخارج لصالح تنميتها. هذا لا يعني بالضرورة أن جميع القرارات التركية كانت سليمة ولكن بمجملها حالفها الحظ وأسهمت بفاعلية في نهضة البلاد وانعكس ذلك على رفاهية المجتمع ودور تركيا الإقليمي والدولي. لم نكن نسمع كثيرا لا سيما في العالم العربي عن تركيا إلا أخبارا متناثرة ومعلومات محدودة ﻻ تشد الانتباه حتى أضحت اليوم مصدر قلق للبعض ومصدر سعادة وراحة للبعض الآخر. إن المتتبع للشأن التركي يلاحظ بقدر ما يزداد النمو الاقتصادي والإجتماعي الشامل في تركيا تزداد ضراوة المكايدات والمؤامرات الداخلية والخارجية لسبب أو لآخر. الأسباب تتعدد ولكن النتيجة والهدف واحد وهو ثني تركيا عن مواصلة سيرها نحو التقدم والحضارة لما لنجاحها من آثار ومآلات في المحيد الإقليمي والدولي.

ما يميز تركيا بغض النظر عن السلبيات التي لا تخلو منها بلد أو طبقة حاكمة هو توفر قيادة مخلصة وكفؤة ومتحمسة ومحبه لتطوير بلدها ورؤيتها في ذلك واضحة معالمها.

كما أن هذه القيادة العريضة رغم الخلافات التي تظهر أحيانا على السطح إلا أنها متماسكة وتعمل بروح الفريق الواحد وما يجعلها متماسكة أكثر هي القوى الكارهة للسلام والإستقرار والأمن والتنمية ولو تمسحت بمسوح الرهبان سواء من قوى الداخل أو الآخر.

كانت هذه القيادة بالمجمل عند وعودها دوما فقد حققت أهدافها كما رسمتها بل نستطيع القول أنها حققت المستحيل في ظل الظروف السياسية والاقتصادية المحلية والإقليمية والدولية الصعبة. لم تكن لتحقق تلك الإنجازات التي أبهرت الصديق والعدو في آن واحد.

وقد تحقق لها في الانتخابات الأخيرة فرصة جديدة لكي تثبت مرة أخرى بأنها قادرة على مواصلة طريق الاستقرار والتنمية. إلا أن هذه المرة أعتقد أن هناك ظروفا قد تغيرت نسبيا. وفي حاجة إلى إعادة نظر في بعض التوجهات لضمان سير وتطوير إستراتيجيات النمو والتطور الاقتصادي والاجتماعي. وفيما يلي بعض من هذه الملامح والتوجهات:

1. استمرار التوجه نحو العمل مع جميع القوى والمواطنين لتحقيق النمو المتسارع وعدم الاكتراث كثيرا بجذب الانتباه وخلق صراعات جانبية ستؤثر سلبا على مسيرة التنمية إذا انشغلت بها الحكومة.

2. الاستمرار في عملية التوازن في العلاقات الإقليمية والدولية في ضوء المصالح المشتركة مع الأخذ في الاعتبار أولويات مصالح البلد.

3. الاستمرار في تحاشي وتجنب فتح صراعات مع جميع الدول والأنظمة والتركيز على تقوية الداخل وخدمة المجتمع.

4. الاستمرار في تقوية البنية الاقتصادية والتنمية المستدامه مع التركيز على الإنسان والبحث والتطوير والإنتاج التكنولوجي وتلبية الحاجات الأساسية من أمن واستقرار وفرص عمل وتوفير تعليم متميز وخدمات صحية متميزة وتوفير الأمن الغذائي إلى غيره من الأمور الأساسية لحياة سعيدة.

5. التواصل المستمر مع المجتمع وتقديم الخدمات التي يحتاجها بحسب المنطقة الجغرافية والفئة العمرية.

6. أن تتحول تركيا إلى مجتمع ودولة متعلمة سواء من خلال تطوير البينة التي تساعدها في ذلك داخليا أو من خلال  الاستفادة من الآخرين.

7. الاستمرار في التركيز على تقديم هذه التجربة كتجربة إنسانية يمكن أن يستفيد منها سواء الدول المسلمة أو غير المسلمة حتى تصبح تركيا دولة قدوة لبقية الدول.

8. تعزيز البنية القيمية والتي كان لها دور في نهضة تركيا سواء في قيادتها أو في تقبل وحماس الشعب لها والحرص كل الحرص على الالتزام بهذه المنظومة القيمية، وما لم يحدث ذلك فستحل بين الأفراد الصراعات والمصالح فتذهب روح النهضة وترتكس.

9. الاستمرار في تصحيح الأخطاء سواء كانت في التفكير أو السلوك في ضوء النتائج والآثار. المؤسسة التي لا تشخص نفسها دوريا ولا تتخذ قرارات التصحيح والتصويب لا شك ستنتهي فالإعجاب أحيانا في العمل أكبر خطيئة يمكن أن يرتكبها القادة، والطموح والعمل المتواصل لتحقيق أهداف أكبر هي السبيل للنمو المتسارع.

10. الاستمرار أو الجدية في إعداد قيادات شابه لمواصلة المسيرة والعمل على تنميتها نظريا وعمليا. توريث العمل وصناعة الناس على أعين المؤسسين ضمان أكيد على مواصلة الطريق وتجنب العثرات والوقاية من المهالك.

في الأخير نتمنى أن تتبنى الحكومة الجديدة مقدرة كبيرة على استيعاب المتغيرات الداخلية والخارجية ويتسع صدرها للجميع وتخدم الجميع وتلتصق بهموم المجتمع بصورة أكبر بأشكاله ومناطقه ومختلف طبقاته مع إحداث نقلات نوعية في التعليم والثقافة والاقتصاد والتقنية والتصنيع والزراعة والأسرة والصحة والتفكير والتعليم والبحث والتطوير وتعزيز الاستقرار السياسي الأمني وضمان حقوق الإنسان والعمل على تحقيق العدالة والحرية وتمثل قيم المهنية والنزاهة والشفافية والعمل بروح الفريق واختيار الأكفأ والأجدر للمواقع الوظيفية بمستوياتها المختلفة مع تطبيق الرقابة و المساءلة.

أنا على يقين أنه إذا حسنت النوايا والمقاصد فيمكن تحقيق ما لا يتوقع.

عن الكاتب

أ. د. داود عبد الملك الحدابي

أستاذ بقسم مناهج وطرائق تدريس العلوم، بكلية التربية، جامعة صنعاء


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس