نزيه الأحدب - عربي 21

لا يحتاج رصد الترحيب العارم للمسلمين عموما و"الإسلاميين العرب" خصوصا بفوز حزب العدالة والتنمية التركي في الانتخابات النيابية الأخيرة إلى استطلاعات رأي ودراسات بحثية، فتكفي جولة قصيرة على مواقع التواصل الاجتماعي لتبيان حجم الاحتفاء بنجاح حزب الرئيس المؤسس رجب طيب أردوغان في حصد أغلبية برلمانية مريحة، تمكنه من تشكيل الحكومة منفردا بعيدا عن "دلع" العلمانيين و"فيتو" القوميين و"تنكُّر" أكراد حزب الشعوب الديمقراطي لفضل إصلاحات أردوغان السياسية عليه، التي سمحت لحزبهم بالنشوء. 

لكن ما يحتاج إلى رصد وتحليل، هو التناقض الثقافي المخيف الذي يعيشه الكثير من "عشاق" أردوغان من العرب، وخصوصا من "المُتمَشيِخين"، وتحميلهم حزب العدالة والتنمية أكثر مما يحتمل وإلزامه افتراضيا بشعارات لم يطلقها يوما، وبمخططات لا تقع ضمن دائرة فكره السياسي. فمن تغريدةٍ "شرعية" تُنَصّب أردوغان خليفة على المسلمين، إلى قصيدة تعلن بدء الزحف الإسلامي الكبير من "إسلامبول" إلى الشرق والغرب لرفع المظالم عن المسلمين، وصولا إلى كيل الوعيد على صفحات الفيسبوك للميليشيات الطائفية في سوريا والعراق واليمن، وتهديدها بالجيش التركي "المجاهد".

والغريب في الأمر أن المصابين بالفرحة المفرطة ينتمون بمعظمهم إلى تيارات محافظة، وهم يتناقضون مع معظم خطوات حزب العدالة والتنمية الإصلاحية، للمواءمة بين أركان النظام العلماني الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك ومبدأ إطلاق الحريات الدينية الذي أساءت إليه تطبيقات حزب الشعب الجمهوري (أتاتورك) خلال حقبة حكمها. 

وذلك إيمانا من أردوغان بأن طريق العودة إلى نقطة البداية، لا بد أن تمر بنفس الطريق التي أوصلت إلى النهاية، والتدرج في الإصلاح يحمي الإنجازات ببيئة شعبية حاضنة، وإذا كانت بداية أردوغان ورفاقه في جماعة الإخوان المسلمين تقوم على خدمة الناس بالدعوة إلى الإسلام، فهم انتقلوا في حزب العدالة والتنمية إلى مرحلة دعوة الناس إلى الإسلام، من خلال خدمتهم في معيشتهم واستقرارهم وحفظ حقوقهم والمحافظة على قوة البلاد واستقلالها.

لم يلغِ العدالة والتنمية تراث أتاتورك ودستوره، بل أصلح ويسعى لإصلاح ما يمكن إصلاحه، لم يفكر الحزب يوما في فرض الحجاب على المرأة، لكنه أدخل المحجبة إلى  القصر الرئاسي في أنقرة. لم تسع حكومات العدالة والتنمية المتعاقبة إلى الإطاحة بالنظام المصرفي الربوي، لكنها شجعت على إنشاء شركات مصرفية إسلامية تلبي حاجات المهتمين بهذه التقديمات، ولم تعلن الحرب على مهنة الدعارة، لكنها حجّمتها من خلال تنظيمها وفرض رقابة صارمة عليها، ولم تحصر حضور المرأة في التربية والتعليم بل استمرت بالثقافة التركية، التي تعتبر المرأة جزءا لا يتجزأ من منظومة القيادة وعجلة الإنتاج الوطني.

 لم يسحب أردوغان تركيا من حلف الناتو، لكنه رفع دفتر شروط بلاده في المجتمع الدولي. ولم يعلن أنه سلطان المسلمين، لكنه فتح الأبواب لإيواء كل لاجيء مظلوم وقبل ذلك وبعده بما لا يتناقض مع القوانين في تركيا، التي تحتكم إلى الديمقراطية وتراعي أصول التداول على الحكم وتقبُّل الهزيمة كما الفوز في لعبة المعارضة والسلطة.

يحتفل "شيخُنا العربي المبجّل" بنجاح حزب العدالة والتنمية في تركيا، وهو في العراق أو الشام أو الخليج يرذل من يصافح امرأة ويخلع من يشارك في حكم غير إسلامي ولو كان لأجل منع ظلم أو فتنة، ويرفض ترتيب أوضاع حارته بالتدرج والحسنى. يبحث "شيخُنا" عن انتصارات غيره بصيغة بدل ضائع، علما أنه يستطيع أخذ الوصفة التركية لتحقيق انتصاراته المحلية، لكن بعد أخذه بالضرورة وصفة العلاج من الشيوزفرانيا. 

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مواضيع أخرى للكاتب

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس