الأناضول

سكان كنشاسا تركوا المنتجات الصينية، ليقبلوا على نظيرتها التركية، بسبب أفضلية الأخيرة على مستوى الجودة، على طول شوارع كنشاسا عاصمة الكونغو الديمقراطية، ينتصب الباعة الجائلون، مفترشين الأرض لعرض بضائعهم المتكوّنة بالأساس من سراويل الجينز والقمصان، إضافة إلى أكداس من الملابس الأخرى.

وبأصوات جهورية، تحاول استقطاب المارة بإصرار كبير، ارتفعت عباراتهم بلغة "اللينغالا" (إحدى اللغات الوطنية المتحدّث بها في الكونغو كنشاسا)، تنادي "هذه السلع قادمة من تركيا وليس من غوانغتشو (جنوب الصين)".

إنه "هوس" عارم جعل عبارة "صنع في تركيا" إحدى ضمانات الجودة بالنسبة لرواد محلات الملابس الجاهزة في كنشاسا، وعلامة تحتكر اهتمام التجار والزبائن على حدّ السواء، وتخطف الأضواء من المنتجات المستوردة الأخرى، بحسب عدد من البائعين.

الإقبال على السلع التركية أضحى ظاهرة في عاصمة الكونغو الديمقراطية.. فمنذ أشهر، تشهد محلات الملابس الجاهزة في كل مكان، وخصوصا في سوق كنشاسا، ارتفاعا ملحوظا في رقم معاملاتها، مردّه تزايد الطلب على الملابس المستوردة من إسطنبول أو من أنقرة.. رجال ونساء على غاية من الأناقة يرتادون بشكل منتظم مختلف المحلاّت، بحثا عن السلع التركية.

تغيّر بوصلة اهتمام سكان كنشاسا بالمنتجات الحاملة للعلامة التجارية "صنع في تركيا"، نجم عنه، في المقابل، تراجع الطلب عن المنتجات الصينية، والتي كانت إلى وقت قريب قبلة عشاق الألبسة في العاصمة الكونغولية.. الحجّة نفسها، تحوّلت بمرور الوقت إلى وسيلة يعوّل عليها تجار كنشاسا، كبارهم وصغارهم، لتسويق بضائعهم، بعد أن أصبحت تركيا مزوّدهم الرئيسي، وفق بعض البائعين.

"نانيت" سيدة تمتلك العديد من محال الملابس في عدّة مناطق بالعاصمة كينشاسا، قالت في تصريح للأناضول معقّبة على الموضوع: "سكان كنشاسا يحبّذون ارتداء الملابس كما تعلمون، ورغم دخولهم المنخفضة نوعا ما، إلاّ أنّهم يبدون اهتماما كبيرا بشأن نوعية الملابس التي يبتاعونها".

وأضافت سيدة الأعمال الناشطة في مجال تجارة الملابس الجاهزة منذ أكثر من عشر سنوات: "الرأي العام السائد هنا هو أنّ الملابس المستوردة من الصين ذات جودة متوسطة، ولهذا السبب، قرّرت منذ السنوات الثلاث الماضية، تنويع مصادر تزوّدي بالسلع، ولذلك، لم تعد وجهتي تقتصر على غوانغتشو، وإنّما أتزوّد بالمنتجات من اسطنبول أو أنقرة، والأخيرة تلاقي استحسان زبائني بفضل جودتها".

"إندوفيك كامبا" صاحب محلّ لبيع الأثاث وأكسسوارات الديكور، قال، من جانبه، للأناضول "منذ اكتشافي للسوق التركية العام 2011، توقّفت عن السفر إلى الصين للتزود بالبضائع، فكان أن غيّرت وجهتي إلى تركيا تلبية لرغبة زبائني".

مجموعة من الطلبة الكونغوليين العائدين من تركيا، أدركوا الأهمّية المتزايدة للمنتجات التركية في بلادهم، والرواج الكبير الذي تلقاه لدى مختلف الطبقات، فكان أن أطلقوا محلاّ لبيع الملابس الجاهزة، وعلى واجهته، ارتسمت يافطة كبيرة "تنبئ بمصدر المنتجات دون تحفّظ"، بحسب مدير المحلّ "سيرج مفييا".

وأوضح "مفييا"، وهو يقود مراسل الأناضول في جولة بين أروقة المحلّ، والمزدحمة بالسترات والأحذية والقمصان، وغيرها من الأكسسوارات المصنوعة في تركيا "نحن لا نرى مانعا في الكشف عن مصدر المنتجات التي نبيعها، وذلك على عكس العديد من المحلات الأخرى التي يتزوّد أصحابها من تركيا، غير أنهم يخفون ذلك.. السوق في كنشاسا تفضّل أكثر جودة المنتجات التركية".

وبالنسبة لـ "أحمد إيميدي"، وهو طالب كونغولي في اسطنبول، التقاه مراسل الأناضول خلال إجازته في كنشاسا، فإنّ "الشركات التركية الناشطة في كينشاسا تشكّل نماذج النجاح الحقيقي".

ولفت الشاب إلى أنّ "شركات تركية مثل "يانبو" المختصّة في الديكور الداخلي والأثاث، ومؤسسة "زينيت"  الرائدة في مجال البناءات والمصاعد ، إضافة إلى شركة "سايكي حاتم أوغلو" الناشطة في مجال الملابس ذات العلامة التجارية.. جميعها مؤسسات تركية تمكّنت من اكتساح السوق الكونغولية، وهذا يعني أنّه حان الوقت لإقامة شراكة اقتصادية حقيقية بين تركيا والكونغو لزيادة حجم التبادل التجاري".

وفي نوفممبر/ تشرين الثاني الماضي، شارك العديد من الفاعلين الاقتصاديين الأتراك في معرض التجارة والصناعة الدولية بكنشاسا، إلى جانب سفير تركيا في جمهورية الكونغو الديمقراطية "بكير أوسال"، والذي قال إنّ "حجم التبادل التجاري بين تركيا والكونغو الديمقراطية يقدّر بـ 65 مليون دولار، 41 مليون منها واردات تركية، و24 مليون دولار واردات الكونغو الديمقراطية".

ولفت الدبلوماسي التركي إلى أنّ"الكونغو الديمقراطية تستورد من تركيا العديد من المنتجات، بما في ذلك الاسمنت والبيوت الجاهزة والآلات والأجهزة والمنتجات النسيجية".

وأضاف: "الهدف من إقامة المعرض الدولي للتجارة والصناعة هو زيادة حجم التعاون بين البلدين إلى المستوى الذي يتطلّعان إليه، وخلق نوع من الوعي بين رجال الأعمال، بهدف تبادل الخدمات والسلع".

من جانبه، رأى "كوكو كايودي" رئيس مفوضية لرجال الأعمال الكونغوليين في المعرض الدولي بتركيا، والذي انتظم في مايو/ أيار الماضي، أنّ "التدفقات التجارية بين الكونغو الديمقراطية وتركيا أصبحت هامة خلال الخمس سنوات الأخيرة، غير أنها تخضع لهيمنة القطاع غير الرسمي، مما يجعل من الصعب الحصول على إحصاءات دقيقة بشأنها".

ولتأطير المئات من الشركات الصغرى والمتوسّطة في الكونغو الديمقراطية، والتي تدير أعمالها مع تركيا، يعمل "كايودي" على إنشاء  غرفة تجارية تركية - كونغولية، بهدف "تنظيم أفضل" لهذا القطاع الواعد، على حدّ قوله.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!