محمد زاهد جول - الخليج أونلاين

كانت مسألة الإرهاب إحدى قضايا قمة العشرين التي انعقدت في مدينة أنطاليا التركية بتاريخ 15 و16 نوفمبر 2015، إلى جانب العديد من القضايا الدولية، مثل التجارة الدولية وقضايا البيئة والمناخ والأزمة السورية وبالأخص قضية اللاجئين، وأما مصير الأسد فهو القضية الشائكة في مؤتمر فيينا، والتي لم يتم التوصل إلى موقف نهائي نحوها في مؤتمر فيينا، الذي عقد اجتماعه الأخير قبل يوم واحد من قمة العشرين بتاريخ 2015/11/14، تعارضت فيه رؤية وزير الخارجية الأمريكي والروسي حول مستقبل الأسد أولاً، وتضاربت رؤيتهما حول مدى مسؤولية بشار الأسد عن تشكيل التنظيمات الإرهابية ومنها تنظيم الدولة داعش، فوزير الخارجية الأمريكي كيري يرى أن الأسد هو المسؤول عن وجود داعش، وأن رحيل الأسد سيكفل رحيل داعش من قبل جميع الشعب السوري والعربي والإقليمي، بينما دافع وزير الخارجية الروسي لافروف عن رحيل الأسد، وادعى عدم مسؤوليته عن ظهور تنظيم داعش، بحجة أن داعش موجودة قبل سنوات من بدء الثورة السورية، وكأن بشار الأسد لم يكن جزءاً من تحالف الهلال الشيعي منذ عام 2003، فإما أن لافروف لا يدرك دور بشار الأسد في التحالف الأمريكي لإسقاط صدام حسين، أو أنه لا يعرف جذور تنظيم داعش في العراق ثم في سوريا، أو كليهما معاً.

إن موقف تركيا والسعودية وقطر وفصائل المعارضة السورية واحد وواضح ويقول: لا إمكانية لوجود بشار الأسد في المرحلة الانتقالية، وهو ما تتقبله أمريكا وتعارضه روسيا، ولذلك فإن أمريكا تحاول إجراء تقبل لبقاء الأسد لمدة ستة أشهر؛ أي في المرحلة الانتقالية التي قررها مؤتمر فيينا الأخير، بإقرار مرحلة انتقالية دون الإشارة إلى دور بشار الأسد في هذه المرحلة.

إن الرؤية التركية وبعد تفجيرات غازي عنتاب وسوروج وأنقرة في تركيا والطائرة الروسية في سيناء وتفجيرات باريس ترى أن الإرهاب يهدد الجميع، وأن على الجميع محكافحته، وترى الرئاسة التركية أن قمة العشرين فرصة حقيقية وكبيرة لوضع خطة عملية وقوية لمكافحة الإرهاب، فمجموعة العشرين لديها مهمة حاسمة وحازمة في هذا المجال، ولا بد أن تتفق على وضع خطة من جميع الدول العشرين، وبالأخص في مكافحة التنظيمات الإرهابية من جميع جنسياتها وطوائفها وأشكالها وفي عقر دارها، فالإرهاب في سوريا وفي غيرها لا يتوقف على داعش، بل إن كل تنظيم يهاجم المدنيين الأبرياء وفي أي مكان مدني آمن هو عمل إرهابي، وفي سوريا وحدها العديد من هذه التنظيمات التي تقتل المدنيين والنساء والأطفال، وإن اختلفت أسماؤها مثل داعش أو حزب الله اللبناني أو لواء الفاطميين أو لواء الزينبيين أو عصائب الحق أو حركات "النجباء" العراقية والحرس الثوري الإيراني، وكلها تقاتل وتقتل الشعب السوري ويقودها رئيس فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، فهذه التنظيمات الطائفية المتشيعة كلها تمارس الإرهاب في سوريا منذ سنوات، ودول العالم تتغاضى عنها، ولا تنظر إلا إلى تنظيم داعش فقط، ففي الدول التي نشأت فيها التنظيمات الإرهابية ولدت كل التنظيمات الإرهابية المتصارعة، سواء كانت هذه الدول مساهمة في إنشائها مثل سوريا الأسد، أو كان إنشاؤها عندها كردة فعل على الجرائم التي ترتكبها تلك الدول مثل حكومة العراق أولاً، وحكومة سوريا لاحقاً، وإرهاب حزب الله اللبناني أخيراً، فقد نشأت التنظيمات المتطرفة كردة فعل على قيام أنظمة هاتين الدولتين بحروب طائفية مدعومة من الحرس الثوري الإيراني ومليشياته العربية مثل حزب الله اللبناني والعراقي وغيرهما.

وحيث أن أساس نشأة فكرة قمة العشرين عام 1999 كانت هي للجانب الاقتصادي، وبهدف متابعة النمو الاقتصادي العالمي من قبل كبرى دول العالم اقتصادياً، الذي تأثر سلباً في منتصف التسعينات وما أحدثه من أزمات اقتصادية، فبدأت المجموعة الاقتصادية الكبرى لسبع دول ثم ثمانية دول كبرى حتى عام 2004، وبعد نجاح تركيا اقتصادياً في عهد حزب العدالة والتنمية دخلت تركيا وعدد آخر من الدول هذه المجموعة حتى بلغت عشرين دولة، والتي تعتبر من أكثر دول العالم من حيث الناتج الإجمالي العام.

إن الرؤية التركية في هذا المجال أن الاستقرار الأمني والتقدم الاقتصادي يسيران معاً، وقد اختبرت تركيا ذلك خلال الثلاثة عشر سنة الماضية على مستوى تركيا نفسها، وكذلك فإن الأمن والاقتصاد العالمي متصلان مع بعضهما، ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، ولذلك فإن نمو الاقتصاد العالمي مهم جداً، وبنفس الدرجة وأكثر الأمن الدولي، فلا بد أن يكون الاستثمار في الدول النامية والفقيرة قائماً على الأمن والاستقرار، وهدف قمة العشرين أن يكون النمو عالمياً وليس في دول مجموعة العشرين فقط.

لذا فإن قمة العشرين في أنطاليا مطالبة بتقديم نظرة شمولية توصف بالنظرة المحيطة لقضايا الاقتصاد العالمي في مجالات الصيرفة والزراعة واجتماع سيدات الأعمال الرائدات اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، وقد عقد اجتماع هؤلاء السيدات في قمة العشرين في أنطاليا لأول مرة بقيادة السيدة أمينة أردوغان، وفي قمة العشرين عقدت أيضاً جلسات أخرى لأول مرة على مستوى الشباب، فكان هناك جلسات خاصة في هذا المجال صباح يوم 15 نوفمبر في أنطاليا، كما أن هناك إضافة جديدة في هذه القمة العشرين فيما يخص عمليات التنمية والتنمية المستدامة للقطاعات الاجتماعية المتنوعة، فكل القضايا ذات الاهتمام بالتنمية الشمولية هي موضع اهتمام في هذه القمة مثل هندسة العمران والبناء وتطوير المجتمعات، فالمطلوب ان يكون هناك استثمار متنوع أولاً، وعادل ثانياً، حتى يشمل الاستثمار توزيعاً عادلاً للثروة العالمية، للتغلب على الطبقية الاجتماعية، ومحاربة البيئة بقاء وجود طبقات فقيرة في المجتمعات النامية.

إن اجتماع عشرين دولة تمثل 90% من اقتصاد العالم و80% من سكان العالم يفرض أن يكون هناك عدالة في توزيع الثروة، وأن تكون شاملة لكل عناصر المجتمع من المرأة والشباب والأسرة؛ لأن بقاء الأسر فقيرة يعني تقديم بيئة حاضنة للتطرف والإرهاب، فالتطرف والإرهاب ليس مولوداً فكرياً وثقافياً فقط، وإنما هما مواليد لظروف كثيرة يشملها الظلم الاجتماعي والاستبداد وسرقة ثروات البلاد من قبل قلة متسلطة على الشعوب، تمنع عن الشعب الثروة كما تمنع عنه الديمقراطية والحرية.

ولا شك أن قضية اللاجئين السوريين ستكون من كبرى القضايا التي تشغل قمة العشرين، بعد أن شغلت الحكومات الأوروبية في الأشهر القليلة الماضية، وبعد أن عجزت عن استقبال عشرات الآلاف منهم، بينما استقبلت تركيا في الأعوام الأربعة الماضية أكثر من مليونين ونصف مليون لاجىء، تكفلت الحكومة التركية بدفع حوالي ثمانية مليارات دولار من خزينة الدولة التركية، فضلاً عن المساعدات الشعبية ومنظمات العون الإنساني التركية، وأوروبا بعد أن شعرت بخطر اللاجئين على حدودها أو هويتها الدينية والحضارية أرادت أن تحل مشاكل اللاجئين بعيداً عنها، وذلك بعودتهم أو إيوائهم في تركيا مقابل تحمل الدول الأوروبية الكلفة المالية لإيوائهم، أي أن الرؤية الأوروبية ليس للمعالجة الإنسانية ولا المساعدة السياسية، وإنما نظرة مصلحية ودفعاً لما تظنه ضرراً عليها، وذلك بمعالجتها كمشكلة مالية فقط، وهذه معالجة خاطئة، لأن تركيا لم تشتك يوماً من الكلفة المالية، فتركيا مشكلتها ليست مالية ولا تريد من أحد من الأوروبيين أن يشكرها على دورها الإنساني، وإنما تريد مساعدة الدول الأوروبية وقمة العشرين إلى إيجاد حل سياسي للمشكلة السورية سياساً أو عسكرياً، وكذلك وحتى ذلك الحين فلا بد من دعم صمود الشعب السوري على أرضه وداخل بلاده في مناطق آمنة داخل بلاده، فمساعدة تركيا في قضية اللاجئين ليست بالمال وإنما بالحل السياسي وإقامة دولة ديمقراطية مدنية في سوريا، وحتى ذلك الحين ينبغي إيجاد مناطق آمنة على الحدود الجغرافية السورية المحاذية لتركيا والأردن ولبنان.

لقد كشفت أزمة اللاجئين على بوابات العبور في أوروبا الصور القبيحة لحكومات الدول الأوروبية، التي لم تساعد الشعب السوري في محنته السياسية ولا في محنته الإنسانية، ولم تتذكر الأزمة السورية ومأساة اللاجئين إلا عندما وقفوا على أبوابها قارعين، أو في بحارها غارقين، فهل هذه الدول الأوروبية تستحق أن توصف بالدول المتقدمة، أم ان نوعية اللاجئين السوريين والعرب والمسلمين هي السبب وراء تجاهل أوروبا مأساة اللاجئين، هذا ما قاله كثير من المحللين، لو أن هؤلاء اللاجئين من جنسيات أوروبية أو من دول مسيحية لما تجاهلت الدول الأوروبية مأساتهم، ولما تركت رئيس دولتهم الأسد يقتلهم بكل أنواع الأسلحة المحرمة دولياً لمدة خمس سنين وهي تتفرج عليهم، فأزمة اللاجئين السوريين كشفت مأساة الدول الأوروبية، وليس مأساة الشعب السوري فقط، ومؤتمر قمة العشرين فرصة لزعماء الدول الكبرى أن تصلح موقفها وتبيض صفحتها أمام الشعب التركي وأمام شعوب العالم.

عن الكاتب

محمد زاهد جول

كاتب وباحث تركي مهتم بالسياسة التركية والعربية والحركات الإسلامية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس