إبراهيم كاراغول - صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس

تتشكل حاليا خريطة حرب تمتد من سوريا حتى الخليج العربي، ولن تقتصر جبهتها على شمال سوريا، بل ستمتد إلى الخليج العرب لتصل الحرب العتبات المقدسة في المسجد الحرام بمكة المكرمة. وستستمر الحرب المذهبية لتصبح حرب هويّات حتى تشمل كل مناحي الحياة المختلفة. وبعد فترة من الزمن ستتحول هذه الحرب إلى حرب إقليمية تشمل كل دول المنطقة.

منذ فترة طويلة وأنا أحذر وأقول تحركوا قبل أن تصل الدبابات إلى العتبات المقدسة، فمن بداية الحديث عن إعادة تشكيل المنطقة والحرب تكشف عن أنيابها لكل دول المنطقة كعنصر مباشر وبقية دول العالم كطرف في هذا الصراع. وكما وضعت إيران يدها على سوريا بعد العراق فهي ستمد يدها على الخليج العربي بعد اليمن في غضون عامين، ولهذا فإن تلك الدول ليست بمأمن على الإطلاق. ويجب أن ندرك أن الجنون الفارسي سيتوجه نحو الخليج العربي بعدما ترفض السعودية تدخلهم فيه، لتصبح المواجهة مباشرة بين الطرفين.

ستتوجه أنظار إيران إلى السعودية إن استطاعت تحقيق النصر خلال العامين القادمين في سوريا. وتسعى إيران مع روسيا وحزب العمال الكردستاني في سوريا إلى القضاء على المعارضة السورية بحجة الحرب على داعش، ومن ثم تسليم شمال العراق لحزب العمال الكردستاني؛ الأمر الذي سيؤدي إلى توجيه دفة الحرب نحو تركيا. وبهذا يسعى ثنائي إيران وروسيا إلى إخضاع العالم العربي مع تركيا وجعل علاقتهم تحت السيطرة. والسؤال هنا: هل هذه المعركة تتمحور فقط حول المشكلة الكردية؟ الجواب لا، فمن أجل التحضير لمعركتهم مع السعودية سيسعون جاهدين في شل حركة تركيا لمنعها من التدخل حينما يضربون السعودية.

لو أخذتم الخريطة وأضفتم الأزمات الممكنة في العامين القادمين كيف سيكون شكلها؟ تجدر الإشارة هنا إلى أن جنون بوتين مشابه للجنون الفارسي، فروسيا ضربت القوقاز ولم يتحرك أحد، ثم ضربت أوكرانيا ومن بعدها القرم ولم يتكلم أحد، واليوم تسعى روسيا مع إيران إلى إحكام السيطرة على سوريا. لهذا كانت حادثة إسقاط الطائرة الروسية أزمة لا تقتصر على تركيا وروسيا، بل كانت الإشارة الحمراء "قف" للزحف الروسي ترفعها الأيادي التركية. وهذا الموقف التركي لا يمثل "قف" لروسيا فقط بل يُعد تحذيرًا لإيران التي تعمل في جبهة واحدة مع روسيا.

شهدت استراتيجيات تركيا القوية لحظة تحويل للمسار مع سوريا في فترة تُعتبر فيها العلاقات بين البلدين أقرب من أي وقت سبق، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على مدى خطورة المرحلة. وستسعى روسيا وإيران الى استخدام عناصر حزب العمال الكردستاني ودفعهم لنشر الفوضى بعمليات وما شابهها لحبس تركيا ومنعها من التحرك في الشؤون الخارجية. وتريد روسيا باستراتيجية إيران إدخال الخوف في قلب تركيا بسلاح الطيران والطائرات التي تقصف الحدود بين سوريا وتركيا وبأسطولها البحري؛ لدفع تركيا للانسحاب. وبما أن المنطقة مقبلة على إعادة تشكيل، فقد باتت تعج بالسفن الحربية، وكأنها مقبلة على حرب إقليمية، ورغم أن أمريكا وأوروبا وروسيا وإيران متضايقون من هذا التصعيد، فان تركيا تأخذ موقف المحذر له.

أصبح العالم على علم ومُتقبّل لجبهة الحرب التي ستُفتح من سوريا وحتى الخليج. وتسعى أوروبا إلى تقويم خط إيران- روسيا، بينما تريد تركيا دحره وإبعاده عن المنطقة. قد يرى البعض تحضيرات أنقرة ويصفها بالجنون، لكن تحركات الأيادي الآثمة الداخلية التي أصبحت اليوم تتصل بروسيا تسعى من أجل خلق موجة جديدة من الإرهاب. وتريد تحضيرات أنقرة استباق الأحداث ومنع الحرب الأهلية التي ستحرق المنطقة لـ100 سنة قادمة، ولتوقف الدبابات قبل أن تصل أعتاب المسجد الحرام في مكة. لن تستطيع تركيا بعد اليوم العودة بأي خطوة إلى الوراء، لأنه إن حصل وفعلت ذلك ستكون قد سمحت باندلاع نيران الحرب المذهبية حتى تصل السعودية وتحرقها، فيصبح حال تركيا كالذي لا يستطيع أن يأخذ أي نفس محصور بين أربع جدران، وستفقد أهدف القرن 21 قبل ان تبدأ.

قد يفسر البعض الرهان القائم الآن في سوريا بالتحضير لحرب الآخرة، لكنها في الحقيقة تدابير تتخذها تركيا من أجل منع هذه الحرب. ولأن التاريخ بات يُكتب من جديد فإن السكوت سيُعد تدميرا ومسحا للمنطقة وتفتيتا وتقسيما لتركيا، لذا كان واجبا على تركيا أن تُقدم وتشرب الشجاعة في قلبها. من اليوم وصاعدا يجب أن نفكر بالحرب التي ستحصل في مكة عند إبصار أزمات المنطقة، ولا نجعل نظرنا ضيقا على أزمات سوريا. قد يكون هذا مزعجا وغريبا للبعض، لكنها الحقيقة التي سيُجبر الناس للتكلم عنها في المستقبل القريب.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس