محمود عثمان - خاص ترك برس

وعاد السوريون بعد خمسة أعوام من عمر ثورتهم إلى مربع المؤتمرات. من قبيل تجديد الذاكرة لا غير، فقد بدأ الحراك السياسي المواكب للثورة السلمية عام 2011  نشاطه بسلسلة من المؤتمرات كان أولها، منبر إسطنبول ثم مؤتمر أنطاليا ثم مؤتمر بروكسل، وانتهاء بمؤتمر الإنقاذ الوطني الذي انتهت به مرحلة المؤتمرات، لتبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة في العمل السياسي الوطني توجت بولادة المجلس الوطني باكورة المؤسسات الوطنية السورية، والذي جاء صناعة سورية خالصة بعكس رغبة المجتمع الدولي الذي كان ينتظر من الأسد حسم المعركة لصالحه. وعندما عجز الأخير عن قمع الثورة، وامتد شرار الحرب ليجذب أطرافًا إقليميةً ودوليةً، ذهبت الأسرة الدولية باتجاه إدارة الأزمة لا حلها، وشرعت بالتدخل بشكل مباشر في تشكيل المعارضة السورية وتوجيهها، فولد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة من خلال تدخل لقوى دولية وإقليمية. مما جعله كلًا على مواليه أينما يوجهونه لا يأت بنتيجة.

وبينما ظن السوريون أنهم قد انتقلوا من مرحلة المؤتمرات إلى المؤسسات التي ستفضي حتما إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي بعد الأسد، وإذ بهم يرجعون إلى المربع الأول، مربع التفاوض مع النظام، مما حدا بالمعارض! لؤي حسين للقول مخاطبا (بتهكم) من يسمون أنفسهم معارضة: "انتهت على الحوار مع نظام الرئيس الأسد، لو أنكم وافقتم منذ بداية هذه الحرب على التفاوض والجلوس على طاولة مستديرة في عام 2011 كم من الأبرياء كانوا سينعمون بالحياة... أم أنكم تستمتعون باللون الأحمر الذي يغطي شوارع وحواري ومشافي سوريا؟". ولعلها واحدة من المفارقات المؤلمة للأزمة السوية أن يحسب قائل هذا الكلام على المعارضة، ثم يكون أحد أعضاء اللجنة المنبثقة عن مؤتمر الرياض!.

ليس خافيا بأن تدفق اللاجئين بعشرات الآلاف صوب أوروبا، والتدخل العسكري الروسي المباشر، حرك مياه الأزمة السورية الراكدة، وفرض أمر واقع اضطرت الأطراف المعنية معه للقيام بخطوة تهدف إلى تطويق آثار التدخل الروسي وتحجيمه. فتم تسريع عقد مؤتمر الرياض بالرغم من انشغال المملكة العربية السعودية بالحرب في اليمن، وانهماك تركيا في ترقيع الخروقات التي أحدثتها عملية إسقاط الطائرة الروسية.

ما أشبه الليلة بالبارحة فقد بات جليا أن مؤتمر الرياض الذي تمخض عن تشكيل هيئة عليا للمفاوضات تمثل كل فصائل المعارضة - كما يقول منظموه – ستشكل جسما سياسيا جديدا سيكون بديلا عن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة الذي أصبح في خبر كان، تماما كما حل الائتلاف مكان المجلس الوطني إبان مؤتمر الدوحة الذي لم يبخل على المجتمعين بحزمة وعود لم يصل للثورة السورية منها سوى النذر اليسير.

مؤتمر الرياض الذي أبدى بيانه الختامي استعداد المشاركين للتفاوض مع ممثلين عن النظام، وطالب النظام بخطوات حسن نية، منها وقف أحكام الإعدام، وإطلاق سراح المعتقلين كافة، وفك الحصار عن المناطق، وإدخال المساعدات، والامتناع عن إلقاء البراميل المتفجرة، ووقف القصف الروسي على المدنيين ومناطق المعارضة، في ظل التردد الأمريكي سيبقى رهينة لإرادة القيصر الروسي، إذ ليس هناك ثمة قوة محلية قادرة على إيقافه، ولا إرادة دولية لديها الرغبة بالضغط عليه من أجل تنفيذ مخرجات مؤتمر الرياض.

صحيح أن مؤتمر الرياض نجح في جمع المعارضة السورية في جسم سياسي واحد لمدة ستة أشهر، وصحيح أن تفاهم المعارضة قد نزع ذريعة "انقسام المعارضة" من يد النظام وحلفائه الروس والإيرانيين وقبلهم المجتمع الدولي، لكن الروس ما زالوا ممسكين لوحدهم بمفتاح القضية السورية من إطلاق المفاوضات أو تأجيلها أو تعطيلها كليا. لذلك فإن نجاح مؤتمر الرياض مرهون بموقفهم الذي يتجه حتى هذه اللحظة نحو الحسم العسكري، وتعديل ميزان القوى على الأرض لصالحهم.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس