محمود عثمان - خاص ترك برس

أشاد رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، بما اعتبره "يوما تاريخيا" في عملية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وذلك في ختام قمة بروكسل بين قادة الاتحاد الـ28 وتركيا، بحثت مواجهة أزمة اللاجئين السوريين. وأضاف داود أوغلو "نتوقع دفعًا كبيرًا في علاقاتنا للمرة الأولى منذ 11 عامًا"، واعتبر أن هذه القمة الاستثنائية تكرس بداية عملية جديدة في العلاقات بين أنقرة ودول الاتحاد الأوروبي، مضيفًا: "أعتقد أن 2016 سيكون عاما مفصليًا في العلاقات".

من جهته كشف رئيس الاتحاد الأوروبي، دونالد تاسك، أن الاتحاد سيدعم تركيا بمبلغ ثلاثة مليارات يورو لمساعدتها في احتواء أزمة اللاجئين السوريين  البالغ عددهم 2,2 مليون لاجئ سوري و300 ألف لاجئ عراقي، في وقت يشدد فيه المسؤولون الأتراك على ضرورة ألا تتحمل تركيا وحدها مشكلة المهاجرين. لأنها ليست مشكلة تركيا وحدها، ولا حتى مشكلة الاتحاد الأوروبي بمفرده، بل هي مشكلة المجتمع الدولي برمته، لأنه فشل حتى اليوم في إيجاد حل للأزمة السورية، وفي ظل غياب بصيص أمل باتجاه الحل، خصوصا بعد التدخل العسكري الروسي، الذي خلط الأوراق، وقلب الموازين، وزاد الأمور تعقيدا، فقد بات واجبًا على الجميع العمل معًا على احتواء موجات المهاجرين الجديدة.

يبدو جليًا أن الدبلوماسية التركية نجحت إلى حد كبير في الحصول على ثمن استراتيجي هام، هو إعادة تموضعها بشكل أقوى داخل المنظومة الأمنية الغربية، في وقت يشهد فيه العالم بأسره حالة استقطاب حادة , وإعادة تموضع جيوسياسي لم تتضح معالمه حتى اليوم.

إنه من الأهمية بمكان أن يعود الأوربيون إلى أنقرة يطرقوا بابها في هذا الظرف بالذات، بعد أن أداروا ظهورهم لها أكثر من عقد كامل من الزمان، وبالتالي من حق أنقرة أن تفرض شروطها بإحياء مفاوضات انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. حيث تم الأسبوع الفائت الإعلان بأن فصلًا جديدًا سيفتح في منتصف كانون الأول/ ديسمبر يتصل بالسياسات الاقتصادية والنقدية.

هل باعت تركيا اللاجئين السوريين بثلاثة مليار يورو؟

إنه من السذاجة بمكان تسليط الضوء على مبلغ المليارات الثلاثة التي ستذهب للاجئين السوريين أصلا، وهذا وإن بدا مكسبًا تكتيكيا، لكنه يبقى صغيرا جدًا إذا ما قورن بالخطوات الاستراتيجية التي أعادت لتركيا أهميتها الجيوسياسية وشرعيتها الدولية، على عكس إيران التي تخوض حروبها دونما غطاء شرعي دولي، وتتوسع هنا وهناك ليس اعتمادا على حلف استرتيجي، بل من خلال غض الطرف الذي تمارسه القوى الدولية تجاهها، لذلك تبقى معرضة في أي لحظة للمساءلة والمحاسبة، حيث لا ظهير لها ولا عمق استراتيجيا.

وزير الشؤون الأوروبية التركي بوزكير شدد على أن "هذه المليارات الثلاثة لم تعط لتركيا، بل ستخصص للاجئين السوريين في إطار تقاسم العبء". وأن الطرفان التركي والأوروبي اتفقا على تنفيذ "خطة عمل مشتركة" لمواجهة أزمة اللاجئين.

تأتي تصريحات الوزير التركي لقطع الطريق على المشككين بأن تركيا باعت اللاجئين السوريين مقابل ثلاثة مليارات دولار، وهذا هو الإجحاف بعينه، لأن تركيا أنفقت حتى الآن ما يقارب ضعفين ونصف لهذا المبلغ.

إن الإجراءات الجديدة سوف تحمي اللاجئين السوريين من الوقوع فريسة اللابتزاز والموت غرقًا في البحار، والتعرض للتهديد والإهانة والسرقة، ومن استغلال الآخرين لمحنتهم ومعاناتهم الإنسانية، وستحمي في الوقت نفسه تركيا وأمنها من العابثين والمندسين والعملاء.

صحيح أن تركيا ليس بمقدورها توفير الخدمات التي تقدمها الدول الأوربية، لكنها بدل أن تنتقي بضعة آلاف – كثير منهم لا تنطبق عليه صفة لاجئ - تؤمن لهم شروط العيش برفاهية، فإنها تستقبل ملايين اللاجئين المحتاجين وتعاملهم بروح حضارية إنسانية.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس