إسماعيل ياشا - عربي 21
الحكومة العراقية الجديدة التي أعلن عن تشكيلها برئاسة حيدر العبادي لا تبدو أنها ستغير الأوضاع في العراق نحو الأفضل، لأنها ببساطة حكومة طائفية بامتياز ولن تختلف غالبا عن حكومة نوري المالكي.
وإن تغيرت الأسماء فجوهر المشكلة في العراق ما زال يراوح في مكانه، وهو التدخل الإيراني السافر في كل شؤون البلاد وعدم وجود شراكة حقيقية بين مكونات المجتمع العراقي وسياسة الإقصاء والتهميش الممارسة حيال السنة، بالإضافة إلى إرهاب المليشيات الطائفية.
وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو وضع إصبعه على الجرح حين قال في حواره مع عدد من محرري وكالة الأناضول للأنباء، إن نحو95% من الجيش العراقي ينتمي إلى مذهب معين، مشددا على أن العراقيين يجب أن يستفيدوا جميعا من ثروات بلادهم دون أن يتم إقصاء أحد.
إعلان تشكيلة حكومة العبادي باستثناء وزارتي الدفاع والداخلية ونيلها ثقة البرلمان العراقي تزامن مع زيارة وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغل للعاصمة التركية أنقرة في إطار جهود إدارة أوباما لتشكيل تحالف دولي وإقليمي لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" المعروف بـ"داعش" ووضع استراتيجية مشتركة لإزالة الخطر الذي يشكله "الجهاديون المتطرفون".
التقى هاغل في أنقرة كلا من رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو ووزير الدفاع عصمت يلماز ورئيس الأركان الجنرال نجدت أوزل، لمناقشة سبل التعاون في محاربة "داعش". وكانت الحكومة التركية دعت منذ بداية الثورة في سوريا إلى تسليح الجيش الحر، ولفتت إلى أن تخاذل العالم عن دعم نضال الشعب السوري من شأنه أن يؤدي إلى ظهور تنظيمات متطرفة في الساحة السورية لتملأ الفراغ، إلا أن هذه التحذيرات لم تجد آذانا صاغية.
تركيا ترى "داعش" وأمثاله من التنظيمات المتطرفة خطرا على أمن المنطقة واستقرارها، ولكنها لا تبدو متحمسة للمشاركة في التحالف الذي تسعى واشنطن لتشكيله ولديها بعض التحفظات. ومن أهم أسباب عدم تحمس أنقرة للمشاركة في التحالف المذكور، وجود 49 رهينة تركية يحتجزهم تنظيم "داعش" منذ اقتحامه القنصلية التركية في الموصل في يونيو / حزيران الماضي. ولا يمكن أن تجازف تركيا بحياة مواطنيها المحتجزين لدى التنظيم.
الأسلحة التي سيتم إرسالها إلى العراق من أجل محاربة "داعش" قد تسقط في أيدي المليشيات الطائفية أو تسقط في أيدي تنظيم "داعش" نفسه أو يمكن أن تصل إلى عناصر حزب العمال الكردستاني. وتخشى تركيا من أن ينعكس تسليح عناصر حزب العمال الكردستاني في العراق سلبا على جهود المصالحة في تركيا.
دعم الجيش العراقي في الوضع الراهن يعني دعم المليشيات الطائفية التي تعيث بالأرض فسادا تحت رعاية الحكومة العراقية. وإن كان الهدف هو مكافحة الإرهاب كما يعلن فإن العملية يجب أن تشمل محاربة إرهاب المليشيات المدعومة من إيران، وعدم تجاهل التنظيمات الشيعية الإرهابية التي تقتل وتذبح وتقطع الرؤوس وترتكب جميع أنواع الجرائم بكل بشاعتها. وليس من المنطقي التمييز بين المنظمات الإرهابية لتمنح حصانة لتنظيمات إرهابية في الوقت الذي يتم دعوة العالم إلى الاستنفار لمحاربة تنظيمات أخرى. وما الذي يميز "الإرهاب الشيعي" عن "الإرهاب السني"؟
النظام السوري منذ اندلاع الثورة في سوريا يرتكب المجازر بجميع الأسلحة التي يمتلكها بما فيها الأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة، وإرهابه يفوق بكثير إرهاب "داعش" على الرغم من دموية هذا الأخير ووحشيته. وترى أنقرة أن تشكيل تحالف لمحاربة "داعش" يجب أن لا يؤدي إلى تقوية النظام السوري أو غض النظر عن إرهابه.
وفي ظل هذه المخاوف والتحفظات، من المتوقع أن يكون الدور الذي ستلعبه تركيا محدودا في الحرب على "داعش"، وأن لا تشارك فيها بشكل مباشر ولا تسمح باستخدام قاعدة إنجرليك التابعة لحلف شمال الأطلسي لشن ضربات مباشرة ضد التنظيم، وأن تقتصر مهمتها على ضبط الحدود ومنع تسلل المزيد من المقاتلين للانضمام إلى التنظيم، بالإضافة إلى تبادل المعلومات الاستخباراتية.
تركيا بلد سياحي يزورها سنويا ملايين من السياح، ومن الصعب جدا معرفة من يأتي ليتسلل إلى سوريا للانضمام إلى "داعش" إن لم يكن هناك تعاون مع الدول المعنية. وبالتالي، تطالب أنقرة تلك الدول بعدم السماح للمقاتلين الذين يتوقع انضمامهم إلى "داعش" بالسفر إلى تركيا أو تزويد السلطات التركية بأسمائهم ليتم إرجاعهم إلى الجهة التي قدموا منها. وليس من المقبول ولا المعقول أن يسمح لهم في المطارات الأوروبية بصعود الطائرات ثم تُتهم تركيا بتسهيل عبور المقاتلين للانضمام إلى "داعش".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس