ترك برس

يُقتبس من خلال أفكار مهندس السياسة التركية "أحمد داود أوغلو" المنشورة في عدد كبير من الكتب والدراسات الأكاديمية والمقالات التحليلية، أن تركيا تسعى في الفترة الحالية إلى الحصول على مرتبة دبلوماسية وسياسية واقتصادية واجتماعية مرموقة في المنطقة لتصبح من خلالها دولة "قوية إقليميًا"، وذلك لأن تحقيقها للمرتبة الدبلوماسية والسياسية القوية في المنطقة سيعود عليها بالنفع الاقتصادي وأيضًا سيعود عليها بقوة لها وزنها في رسم خرائط السياسة الخاصة بالمنطقة وبالتالي تحقيق مصالحها بشكل يسير، حسب مايوضح "أحمد داود أوغلو" في كتاب "العمق الاستراتيجي".

وفي سياق متصل، يرى الباحث والصحافي السياسي "راسم أوز دونوران"، أن "الدولة التي تسعى إلى الوصول إلى نقطة مميزة تجعلها ذات قوة تأثيرية سياسية واقتصادية وعسكرية واجتماعية وإعلامية تحتاج إلى الكثير من العمل وتحتاج إلى التحلي بعزيمة صلبة لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي يمكن أن تطرأ على الساحتين الداخلية والخارجية".

ويشير أوز دونوران إلى أن "التحديات الداخلية التي تواجهها تركيا في مشوارها إلى الوصول إلى هدفها الاستراتيجي جمة ومتنوعة، ولكن أهم هذه التحديات هو التحدي الاجتماعي، هذا التحدي نابع من الصفات الاجتماعية والثقافية التي غُرست قصرا ً داخل أعماق الشعب التركي، إذ بعد تأسيس الجمهورية التركية عام 1923، عمل مؤسسيها على غرس فكر القومية "المُغلقة" لدى المواطنين الأتراك، وأكدوا لهم أن الانغلاق والاعتماد على الذات هو السبيل الوحيد للحفاظ على الجمهورية التركية وركائزها ومقدراتها، واستمر هذا التحدي يواجه أي حكومة تحاول الانفتاح على الخارج سياسيا ً أو اقتصاديا ً أو اجتماعيا ً".

ويوضح أوز دونوران، في مقاله "التحديات المواجهة لتركيا" الذي نشر على الموقع الإلكتروني لصحيفة "يني شفق" أن "أول من واجه هذا التحدي هو الحزب الديمقراطي الذي اعتلى سدة الحكم عام 1950، حيث تبنى رئيس الوزراء المُختار من قبل الحزب آنذاك "عدنان مندرس" منهج الانفتاح السياسي "الواقعي" بإقامة عدد من التحالفات السياسية العسكرية مع دول الجوار أهم هذه التحالفات "حلف بغداد""سانتو" الذي تأسس عام 1955 بين إيران وتركيا العراق وباكستان وإنجلترا مدعوما ً أمريكيا ً، ومنهج الانفتاح الاقتصادي "الليبرالي الحر" وهذا ما عاد بالفائدة الكبيرة على تركيا وشعبها إذ كان متوسط نسبة النمو الاقتصادي مابين 1938 إلى 1949 2.9 %، بعد تسلم الحزب الديمقراطي لمقاليد الحكم في السنوات الأربعة الأولى "1950 ـ 1959" وصل إلى 12.7 %، وفي السنوات الأربعة الثانية مع انخفاضه البسيطة إلا أنه حافظ على قيمته العالية إذ أصبح 8.9 %، وعلى الرغم من حجم الفائدة الملموسة التي شعر بها المواطنين الأتراك في تلك الفترة، إلا أنهم لم يتمكنوا من تبني مبدأ الانفتاح السياسي والاقتصادي لوقوع الانقلاب العسكري الأول على الديمقراطية  في تركيا عام 1960".

ويتابع أوز دونوران مبينًا أن "هذا التحدي استمر في مواجهة جميع الحكومات التركية، لأن الجيش حتى عام 1998 وهو يتدخل في إدارة البلاد ويُعطل الانفتاح الذي كانت تطمح إليه بعض الحكومات المتعاقبة. اليوم نجح حزب العدالة والتنمية في تجميد تدخل الجيش ولكن إلى الآن يواجه التحدي الاجتماعي لدى المواطن التركي الذي غُرس في عقله اجتماعيًا وثقافيًا وتعليميًا بأن الانغلاق القومي هو السبيل للحفاظ على قوة تركيا وبقاؤها".

وحسب ما يورده أوز دونوران في مقاله، فإن ايدولوجيات الأحزاب السياسية المعارضة أيضًا تمثل تحدي كبير لحكومة حزب العدالة والتنمية، إذ تنحصر ايدولوجيات الحزبين الرئيسين في تركيا "حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية" تحت إطار الانغلاق والابتعاد عن الخوض في خطوات الانفتاح الشامل. خاصة في الفترة الحالية التي تُعد من أصعب الفترات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط وفي حين تُرسم الخرائط الجديدة لمنطقة الشرق الأوسط، إلى الآن حزبا الشعب الجمهوري والحركة القومية يتهمون أردوغان ببناء قصر غير قانوني وإتمام بعض المشاريع التنموية دون وضع اسم أتاتورك عليها، العالم يتغير ويستدعي وجود قوة إقليمية لدى تركيا للحفاظ على مصالحها في المنطقة، والحزبان المعنيان ما زالا إلى اليوم يهجمون بناء القصر وإتمام المشاريع التنموية، وهذا تحدي داخلي كبير أخر تواجهه تركيا في تحقيق قوة إقليمية".

وعلى صعيد خارجي، يؤكد أوز دنوران أن "التحديات الخارجية أيضًا جمة وتواجه تركيا بشكل كبير"، وحسب أوز دنوران، فإن التحديات الخارجية التي تواجهها تركيا هي كالتالي:

ـ التحديات الدولية: روسيا والولايات المُتحدة الأمريكية تُشكلان العناصر الأساسية في هذا التحدي، الطرفان يريدان أن يبقيا تركيا مُنعزلة ومنغلقة، لكي يحلو لهم تطبيق الخطط التي يرنون إليها دون منازع.

ـ التحديات الإقليمية: أكبر تحدي إقليمي تواجه تركيا هي إيران، إيران تهدف إلى توسيع رقعتها الجيو سياسية من خلال نشر مذهبها الديني وفكرها "الإسلامي الثوري"، ولكي تسنح لها الفرصة في تنفيذ ذلك، لا بُد من إزاحة تركيا عن الساحة، لأن تركيا تمثل القطب الديمقراطي المعتدل البعيد عن الطائفية وتسعى لنشره بين بلدان الشرق الأوسط، وهذا ما يخلق تنافس شديد بين الطرفين، ويصبح كلا منهما يمثل تحدي كبير للآخر.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!