أردان زنتورك - جريدة ستار - ترجمة وتحرير ترك برس

تلك الصرخة التي نطلقها عندما تتعرض الديمقراطية لهجوم بمثل هذا الشكل... وعندما يتخلى حلفاء الدول الديمقرطية عنها ويتركونها وحيدة في خضم تلك الأحداث... هكذا يمضي تاريخ الجمهورية التركية عبر هذه الأيام الصعبة والتي لا شك أننا سنتجاوز فيها هذه المرحلة الخطرة ونعبر إلى مرحلة الأمان .. وحتى إن حاول البعض جرف هذه الجريمة الإنسانية المسماة بالحروب فليدرك جيدًا "أن العالم إن هاج وماج وأعيد تأسيسه من جديد فإن تركيا ستأخذ مكانها فيه بكل فخر وعزة".

تنظيم بي كي كي ما هو إلا بروفا احتلالية

لعل الأكراد العاديين أدركوا ذلك جيدًا في حين لم يدرك ذلك إلى الآن أشراف الأتراك من نيشان طاشي وجيهانغير وبايزيد... فتنظيم بي كي كي لا يحمل في جعبته أي برامج لمستقبل مشرق وسعيد للأكراد بل هو تنظيم تستخدمه القوى الإقليمية الاستعمارية كبروفا مبدئية لاحتلال أراضي الأناضول التركية.

فلماذا تتم محاربة دولة تحاول تعزيز وتقوية الديمقراطية بداخلها وتعمل علي تكوين حياة معيشية ناضجة ترتكز علي أرضية ديمقراطية لكل الفئات الاجتماعية فيها من خلال إعلان دستوري جديد؟ هذا هو السؤال الذي لا جواب له!

ولماذا تتم محاولة خلق احتلال داخلي والمغامرة بمفهوم الاستقلال الذاتي لطائفة تعيش بدولة تمتلك جيشًا من أقوى جيوش العالم؟ هذا أيضا سؤال آخر لا جواب له.

لماذا يدعم زعيم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي صلاح الدين دميرطاش هذه المغامرة الدامية الحمقاء؟ لعل الجواب هو رغبته في أن يكون دمية في أيدي القوى الاستعمارية وأن يبدأ نقطة جديدة في خيانة شعبه...

ومثلما أوضح إبراهيم قاراغول في مقاله في جريدة يني شفق قائلًا إن تنظيم بي كي كي الإرهابي هو حصان طروادة الذي أرسله الحلف الإيراني الروسي لاحتلال هذه الأراضي. فهذا صحيح ولكن ينقصه أن نضيف أن ذلك يجري علنًا أمام أعين أمريكا وبدعم غير مباشر من الدول الأوروبية الأعضاء في حزب الناتو.

ولعل الحملة المتصاعدة في العواصم الأوروبية تسير في اتجاه القناعة بقتل تركيا لموطنيها بجنوب تركيا. ومحاولة أن تختلق هذة العواصم صورة "النظام الدموي" للحزب الحاكم في تركيا وهي التي لم يُسمع لها أي صوت في محاسبة الدكتاتور السوري بشار الأسد الذي قتل ما يقرب من 300 ألف سوري على مدى أربع سنوات ماضية.

وذلك مثلما هو الحال أيضًا بالنسبة لمن لم يصدروا كلمة واحدة ضد إيران وحزب الله اللبناني الذين ساقوا آلاف الجنود من العسكريين والميليشيات الشيعية للأراضي السورية والعراقية، وسارعوا على العكس من ذلك بالاتصال بحكومة أنقرة عند إرسالها 160 جنديًا إلى معسكر بعشيقة العراقي.

وفي حين لم يخجل أوباما من الاتصال بالحكومة التركية لسحب قواتها من بعشيقة، كانت الطائرات الروسية تدك جبل التركمان وكان مقاتلو حزب الله والميليشيات الشيعية يستعدون للهجوم على إخواننا التركمان وانتهاك حرمتهم.

نحن دولة علمانية ولا نخوض حربًا دينية

وللعله لا مجال هنا لأن نسرد مرة أخرى الموقف المخزي لإيران الذي اتخذته تجاه العالم الإسلامي. فنحن دولة علمانية ولا يمكن لنا أن نخوض في مسألة حسابية ذات أرضية دينية. إلا أن ذلك لا يعني أننا سنقف موقف المتفرج من سياسية إيران الهجومية التوسعية التي تخوضها في المنطقة على أساس مذهبها الشيعي والتي تتحول تدريجيا إلى مسألة تحدَ لها بالمنطقة.  ولو لم  نأخذ في الاعتبار أن إيران قتلت من المسلمين في حربها بسوريا ما يزيد عن العدد الذي قتلته إسرائيل منهم في 70 سنة، فإننا نكون قد خنا ديننا ومقدساتنا.

وينبغي التنويه أننا هنا لا نتحدث في مسائل دينية بل نتحدث في مسائل سياسية...

ونحن هنا نتحدث عن دولة حليفة لروسيا التي سفكت ولا تزال تسفك دماء المسلمين في الشيشان والبوسنة والهرسك ومن بعدهما سوريا، وهي الدولة التي تدير مناورات عديدة بالمنطقة ستعمل بدورها علي راحة إسرائيل في الشرق الأوسط فيما بعد، وهي الدولة التي تلعب مع أمريكا سياسة "الصراع الزائف"، ومن ثم كانت الأقوى الاستعمارية في منطقة الشرق الأوسط. نتحدث هنا عن إيران

فإيران. الدولة المحاربة الغريبة التي يعيش 22 مليون من إجمالي شعبها تحت خط الفقر والجوع ويوصف 50 بالمئة من ساكني مدنها على أنهم فقراء ويعاني ما يزيد من 55 بالمئة من شبابها المتمدن من البطالة. وبينما كنا نفكر نحن كتركيا في كيفية إعادة توفير 9 مليار دولار التي أنفقناها على ضيوفنا من إخواننا السوريين. كانت هذة الدولة الدكتاتورية تحرم شعبها مما يقرب من 100 مليار دولار أنفقتها في حربها التي تخوضها بسوريا والعراق.

وعلاوة على ذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية بدلًا من أن تصغي لتركيا حليف حزب الناتو في سياسات الشرق الأوسط وحليفها الديمقراطي الاستراتيجي في المنطقة فضلت الانصياع وراء بوتين وعلي خامنئي، وذلك في إطار خطة "ترك العراق للولايات المتحدة وترك سوريا لروسيا" والتي تقف ورائها بشكل خفي إنجلترا وفرنسا وإلمانيا بمخابراتها التي تمركزت في الشام محاولةً الرجوع إلى المنطقة عن طريق التحالف مع نظام بشار الأسد.

علينا أن نعي أن هناك أمر ما يخصنا بهذه المنطقة.

لأنه على مدار تاريخ الجمهورية التركية لم نشهد في أي مرحلة قط التحديات التي ترفع شعار "هيا إلى الحرب".

نحن كدولة ديمقراطية نجعل خيار الحرب آخر الخيارات التي يمكن أن نفكر فيها. ونحاول جاهدين تفويت الفرصة علي كافة الاستفزازت التي يمكن أن تقودنا لمثل هذة الكارثة.

فأبناؤنا هم فلذة أكبدنا الذين ننكوي عند فقدانهم ولا يمكننا أن ندفع بشبابنا الذين هم نور أعيننا  في خضم ميادين الحرب التي يقودها الحكام الديكتاتورين حولنا بالمنطقة. ولكن...

هناك نقطة يجب أن نعلنها لدول العالم كافةً: وهي أننا لن نقف مكتوفي الأيدي لمدة طويلة أمام هذا الكم من التهديدات والمؤامرت والمكائد والهجمات الدامية التي تدور حولنا...

فلا تستنفذوا صبرنا... لأن نتائج ذلك ستكون وخيمة...

عن الكاتب

أردان زنتورك

كاتب في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس