ترك برس

اعتبر الكاتب والمحلل السياسي السعودي، مدير مكتب دراسات الشرق الإسلامي بإسطنبول، "مهنا الحبيل"، أن "إقدام أنقرة مؤخرًا على بدء الاتصالات مع إسرائيل، مؤشر على الوضع الذي وصلت له في الشعور بالخذلان الخطير"، مشيرًا أن "الاتصالات حقيقية مهما بررها البعض وأوّلها، ولكن غير صحيح ما روّجه البعض إعلاميا من استهدافها لحماس".

وأوضح الكاتب السعودي، في مقال له نُشر عبر الجزيرة نت، بعنوان "أين الطريق للأمة الواحدة"، أنه "لسنا هنا في معرض ملامة العداليين، ولا نُسقط قدرتهم المتمرسة على المناورة، والخروج من هذا التهديد الذي تدفع به أوروبا وطهران أحلام القيصر الأحمق، لكننا نطرح مسار تفكير مهم، هو من مسؤولية المثقف، الذي يجب ألا تجره حفلات التصفيق عن توصيف الحقيقة والبحث عن الدواء، برؤية العقل لا حماسة العاطفة".

ولفت الحبيل، إلى أن "هذا الموقف لحزب العدالة المتفهمة دوافعه والضغوط الشرسة التي تحاصره، وهي ضغوط تُصرح مباشرة بالحاجة إلى إنهاء تجربة الحركة الإسلامية في تركيا، أو ما يُسمى بالأردوغانية، لا يمنع من التذكير بالحاجة الماسة لوعي الإسلاميين وتأملهم العميق، والتوازن المسؤول في تقدير هذه الاتصالات والاتفاقات مع الإسرائيليين لدى حزب العدالة ولدى غيره من الأطراف".

وأكد أن "هناك اختلافًا كبيرًا بين من يعقد اتفاقات لأجل تأمين ظهره وسحق شعبه، ولاعتبار الجسور مع تل أبيب شراكة له مع المشروع الغربي تدافع عن نظامه، مقابل حصاره للمقاومة الفلسطينية وتوهين الصف العربي والمسلم، وبين تجربة سياسية صعبة عبرت توازنات مهمة من خلال المشروع الديمقراطي، وحصلت على شرعيتها السياسية بأصوات الشعب، ولكن موازينها مع القوى الخارجية، والحصار الإقليمي لها، لا يجعل لها إلا خيارين: المناورة السياسية الصعبة مع أطراف معادية تاريخيا للأمة، أو مواجهة المتطلب الدفاعي للدولة ومشروعها الديمقراطي الجديد الذي يقوده إسلاميوها، ولكن مع قاعدة شعبية مختلفة الميول، لم تفوّضهم لحروب كبرى، وإن قادت الأحداث لها دون خيار، وهو موجود في تاريخ تركيا القديم والمعاصر، دون إسلامييها الجدد".

وأشار الحبيل إلى أن "المنظور الإسلامي اليوم يجب ألا يهرب من هذه الزاوية وأن يخرج من تقديس تجربة إسلاميي تركيا واجتهاداتها، ومنها مد جسور العدالة مع تل أبيب، لغرض العبور من هذه المرحلة كبعد أولي، وإن كان الطريق المائي الدولي لغزة الذي يتبناه العدالة مشروعا استراتيجيا، يُسقط معادلة الحصار، لكنه لم يكن البعد الرئيس في الاتفاق الأخير بين تل أبيب وأنقرة"، لافتًا أنه "ولذلك، فالحالة الإسلامية تحتاج إلى كثافة وعي وهدوء، وتخفيض الرؤية العاطفية الجامحة، وإعادة تقييم التجربة الناجحة والمؤثرة جدا في تركيا، كمسار اجتهادي لم يُكمل حقبته بعد، وأمامه تحديات صعبة، لم ينته مشهدها الكبير".

وقال الكاتب السعودي: "كان هذا السؤال (أين الطريق للأمة الواحدة؟)، محل اهتمام مركزي من قبل جمع كبير من العلماء والباحثين والمثقفين المسلمين، في حينها لم يكن مصطلح الإسلاميين رائجا بل المسلمين، وإن ورد المصطلح فهو يعني نخبة المهتمين بإعادة وحدة الأمة الممزقة، وهو الوحدة التي تصدعت بعد عزل السلطان عبد الحميد عام 1909، قبل أن تسقط السلطنة نهائيا، كرمزية للوحدة ولا أقول الخلافة، لأنه من الخطأ الشائع منح مصطلح الخلافة الشرعية منذ العهد الأموي وتثبيته، دون تحقيق لمناطه الشرعي والإصلاحي، حيث يستند إلى إمام أجير يُصلح شأن الأمة ولا يستبد بها أو عليها".

ونوّه إلى أن "هذه الصدمة لم تكن حصرا على الفريق المناصر للسلطنة العثمانية، بل شملت حركة الإصلاحيين الإسلاميين الذين تألموا كثيرا، من تأخر الإصلاحات في الدولة العثمانية ومحاربتها لهم، والذي ساعد التكالب الأُممي ضدها، وأوجد فجوات كبيرة في هيكل الدولة من الأستانة إلى أقصى أقاليمها، حيث شعر الجميع بعدها أن هذا التفكك يقود إلى مستوى خطير من تهيئة الاجتياحات التي تحققت بالفعل عسكريا، ثم انسحبت وبقيت سياسيا، وهي اليوم تعود في صورة عسكرية متعددة تحت ذرائع مختلفة، بعد أن سقطت الأمة في أمراضها الداخلية، من أدخنة ثقافة غربية، لا تفيد الإنسان بل تُضيعه، إلى غلو جامح توحّش مدنيا قبل عسكرته".

وأردف قائلًا: "وفي وسط كل المسارات، كانت تكمن قوة الاستبداد التي فتكت بكل محاولة لصناعة مجتمع قوي في أقطار المسلمين، ويعود سؤال البحث اليوم في ظل عاصفة شديدة، من الاجتياح السياسي والعسكري، الذي بدأ ولم ينته، وفي أجواء فشل عن تحقيق أي حد أدنى للتنسيق بين أقطار المسلمين، ولو لحساب مصالح تجمع أمن الشعوب وأمن الحكومات على أمل صد هذه العاصفة التي تتقدم بصورة مقاتلة روسية وعمامة إيرانية، رغم جغرافية طهران التي تنتمي للشرق الإسلامي، لكن الحقيقة أن الغرب القديم، كما يُطلق عليه، لا يزال اللاعب الأصيل في المنطقة".

ورأى الحبيل أن "الحال اليوم يكشف بجلاء أن واقع الدول القُطرية لا يمكن أن يحقق الحد الأدنى من الصمود، وأن الحاجة إلى تكتلات الأمة ضرورة عقلية واضحة كما أنها فريضة أممية جامعة، وتلك أولوية  الإسلاميين الأوائل الذين عاصروا الصدمة، وشعروا بتأثيرات سايكس بيكو، لكنهم سعوا بما يستطيعون لردم هذا التفرق، وحاولوا إحياء مهام الوحدة الأممية، في نقل التضامن والتبرع بين أطرافها، واستثمار تركيبة الصراعات المختلفة لتكون جسورا لعبور المساعدات، وخاصة لتحقيق الاستقلال، أمام القوى الاستعمارية".

وقال إن "تحدي اليوم يبدو أصعب، وما جرى من محاولة نهوض وبعث فكرة الإسلام في الأمة من جديد، انتشر بصور مختلفة، بعضها يحمل عناصر انشطار وتقسيم للمسلمين، وبعضها يبالغ في نظريته الأيديولوجية حتى يكاد أن يُحلها مكان الإسلام، مع وجود خيرية ومساهمة لهذه المدرسة وتلك، لكن شراسة صراع بعضها لم يكن وليدا للاستبداد وحسب، ولكن لإشكاليات ذاتية في هذه المدارس والحركات، أما العنصر القاتل فهو حصار أو وأد الاستبداد لكل حركة تجديد فكري وإصلاح سياسي، رغم أن هذا الحراك سعى جاهدا ليتجنب التصادم ويسعى لصناعة مجتمعه ثقافيا، على أمل أن تنهض أقطار المسلمين وطنيا، ثم تتشكل في اتحاد أممي قادر على مواجهة مثل هذه التحديات والمؤامرات".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!