إبراهيم قاراغول - جريدة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس

لم تكن تركيا في أي وقت من الأوقات قريبة من صراع حامٍ مثلما هو عليه الحال الآن؛ فلم تحاصر من الداخل والخارج بهذا الشكل ولم يتم تهديدها بهجوم وحشي كهذا من قبل. ولم تكن تركيا هدفًا مشتركًا للعديد من الدول مثلما هو الحال الآن. ولم تتحرك في هذا الصدد بعض الفصائل داخل تركيا بتعاون مباشر مع هذة الدول كما يحدث الآن.

ولعلي على مدار ما يقرب من عشرين سنة أحاول متابعة أحوال المنطقة يومًا بيوم وموقع تركيا فيها وعلاقاتها بدول هذة المنطقة. ولم أشهد على مدار هذه الفترة أقلمة الحرب الدائرة بالمنطقة إلى هذه الدرجة واستهداف دول المنطقة لبعضها الآخر بهذا الشكل وخوضهم حربًا غير معلنة ضد بعضهم البعض.

ولم أشهد كذلك تهديد المحور الروسي الإيراني لتركيا والدول الإسلامية بشكل واضح مثلما هو الحال الآن. فلقد كانت علاقة كلتا الدولتين بتركيا علاقة محكمة تصل إلى حد الشراكة في كثيرٍ من الأحيان. إلا أنه وفي غضون شهور قليلة تبدلت علاقة الدولتين بتركيا إلى حد خوضهما حربًا صريحة ضدها.

مرحلة جديدة من عهد الشاه إسماعيل

واليوم فإن هاتين الدولتين قد توحشت لديهما مطامع التوسع والاستعمار في المنطقة إلى درجة كبيرة. ولم تشهد المنطقة تدخلًا مباشرًا لهاتين الدولتين والمنظمات الحليفة لهما مثلما هو الحال في هذة المرحلة كما لم تشهد تركيا من قبل تحريك هاتين الدولتين للفصائل السياسية والإرهابية بداخلها بشكل مشبوه كهذا. ويبدو أن طهران تقوم بهذه العمليات الخفية تحت غطاء مموه من موسكو وذلك لتيقنها من انهيار الصورة المثالية لها في العالم الإسلامي بعد مواقفها المخزية في الأحداث الأخيرة.

وأكرر هنا ثانية أنه منذ عهد الشاه إسماعيل وإلى الآن لم يشهد العام الإسلامي هجوما ضاريا في سبيل نشر المذهب الشيعي مثلما هو الوضع الآن ولم تعلن إيران كراهيتها العلنية لجغرافية العالم السني والتي تجاوزت الكراهية الإسرائيلية له مثلما تقوم الآن.

وحتي هذا اليوم كانت تدخلات إيران في المنطقة محدودة متفردة بدول معينة في المنطقة. فقد كانت إيران تحارب العراق ثم قفزت على احتلال الولايات المتحدة للعراق وسيطرت علي إدارة الحكم بها وكانت أثناء ذلك تقود مغامرتها باليمن وتستخدم الطوائف الشيعية في أفغانستان لصد التهديدات المحيطة بها وتستخدم حزب الله في محاربة إسرائيل لحماية نفسها.

ولكنها اليوم تستخدم كافة الطوائف الشيعية في المطقة كجبهة حرب وتحاول خلط الموازين الداخلية في كافة دول المنطقة. فلم يعد الأمر مقتصر علي سوريا بل أمتد لدول الخليج وتركيا.

الاحتلال الإيراني الروسي في مدينة جزرة التركية

بات واضحًا أن إيران وروسيا تحاربان تركيا في سوريا. وهذه الحرب ضد تركيا واقعة وإن لم تكن معلنة ولعل جبهاتها في الداخل التركي يقودها تنظيم بي كي كي وحزب الاتحاد الديمقراطي وتمثل جبهتها الخارجية الحرب الدائرة في شمال سوريا. وتقف هاتان الدولتان خلف الحرب التي يقودها الحزب الديمقراطي الحر ووحدات الحماية الشعبية ضد تركيا في سوريا. في حين تشكل الولايات المتحدة وبعض الدول الأوربية جبهة أخرى في هذه الحرب الدائرة.

ولعل من الواضح أيضًا أن هذة الدول هي التي تقف خلف محاولة احتلال تنظيم بي كي كي الإرهابي لبعض المدن والولايات في جنوب شرق تركيا. محاولة بذلك الزج بهذة الحرب إلى داخل الأراضي التركية. ومن ثم تصبح الحرب علانية مع تركيا وعلى أراضيها. ولعل ذلك ما سنراه قريبًا وجليا في تركيا من الفصائل المتحالفة مع هذة الدول والتي تعتبر بمثابة أذرعها داخل تركيا.

ومن ثم فإن العمليات العسكرية التي تقودها تركيا في ولايات جيزره وسيلوبي ليست فقط ضد تنظيم بي كي كي الإرهابي بل هي أيضًا بمثابة عمليات دفاعية ضد مخططات هذة الدول. وعلى هذا فهي عمليات تهدف لإنهاء هذا الاحتلال من قبل تنظيم بي كي كي و تنظيف الداخل التركي وكسر هذه التدخلات الخارجية على الأراضي التركية. لأنه وبعد أن وصلت الأمور لهذه المرحلة فإن تنظيم بي كي كي تخطي مفهوم الإرهاب إلى مفهوم حصان طروادة لمشروع الاحتلال الخارجي الموجه للأراضي التركية.

بداية حروب لا نهاية لها...

هذا وإن لم تتوقف هذا الدول عن الهجوم الوحشي العشوائي وسيطرت علي نفسها وتخلت عن سياستها الاستعمارية والتوسعية فسيؤدي ذلك إلى اندلاع حروب لا نهاية لها بالمنطقة بأشملها بدءًا من قناة السويس ودول البحر الأبيض المتوسط وحتى خليج البصرة. ولن يتمكن أحد قط من إيقاف هذه الصرعات التي ستقوى وتتطور بسرعة غربية لا حد لها . لأن هذه الصراعات لن تكون محدودة بمنطقة منفردة وضيقة بل ستنتشر علي جبهتين رئيسيتين وتضم إليها كافة دول المنطقة.

ومن ثم لا بد لدول العالم إيجاد آلية لإيقاف تحركات روسيا غير المحسوبة في المنطقة. ولا بد من تحجيم المطامع الإيرانية المتخفية وراء الأجنحة الروسية. فطهران قادت العالم الإسلامي للحرب على جبهتين منفصلتين بعد قرون هدة من التماسك، وحولت فرضيتها التي تفيد "بأن العالم الإسلامي سيتصارع بداخله" إلى حقيقة واقعة.

ولسنا هنا بصدد خوض حرب نفسية ضد إيران، ولكن على الرأي العام الإيراني أن ينتقد مطامع طهران هذه. لأنه سيتحمل وبشدة البدائل الوخيمة التي ستخلفها هذه المطامع.

كما أنه لا ينبغي لأحد أن ينتظر مباركة المساعي الإيرانية الروسية الرامية إلى الاستيطان في الحدود الجنوبية لتركيا ومحاولة تعجيز تركيا من خلال ميليشيات الحزب الاتحاد الديمقراطي وتنظيم بي كي كي الإرهابي هناك  بل محاولة احتلال بعض المناطق التركية من خلال تنظيم بي كي كي الإرهابي. فلا يمكن لأي دولة هضم مثل هذة المساعي القذرة. ونحن هنا نسعي إلى تفصيل ملامح هذه الصورة السيئة وتحليل هذا الموقف الاستفزازي لهذه المساعي.

الدول الإستعمارية الشرقية، و"الحرب الأهلية الإسلامية"

فالآن ومع الأسف وبعد انقضاء مرحلة الدول الاستعمارية الغربية، تطل علينا مرحلة الدول الاستعمارية الشرقية التي تحاول جاهدة تخريب العالم الإسلامي وتشتيته. وكأن سيناريو "الحرب التركية الإيرانية" الذي كان آخر أهدافهم والذي تحاشينا وقوعه لمدة طويلة من الزمن قد تحول لأمر وحقيقة واقعة ومكتملة. وكأن مهندسي مشروع "صراع العالم الإسلامي الداخلي ونقل الحرب داخل أروقة العالم الإسلامي" قد تحقق لهم النجاح في ظل عمى البصيرة الذي يسيطر علينا جميعًا. ذلك السيناريو والمشروع الذي إذا ما نجحوا في تنفيذه فإن الحروب لن تمتد إلى حدود دولنا فحسب بل ستمتد إلى أروقة بيوتنا، ولن تقوم لنا قائمة على مدى مئة سنة قادمة.

وفي هذه المرحلة تحديدًا ينبغي معرفة الجوانب التي تقف فيها الأطراف الداخلية بتركيا. فنحن الآن في مرحلة استثنائية تتخطي المشاكل الداخلية لتركيا. ولم يعد تنظيم بي كي كي وحزب الاتحاد الديمقراطي مسألة كردية بل أصبحت جزءًا من مشروع لخريط إقليمية جديدة. ولعل المناصرين لهذة الأطراف الداخلية والداعمين لمحاولات الاحتلال الداخلية الموجهة ضد تركيا لحسابات داخلية مع الحزب الحاكم بتركيا عليهم أن يعوا جيدًا أنهم جزء من هذة الحرب الصريحة والمعلنة على تركيا.

ذهاب صلاح الدين دميرطاش لأخذ التعليمات من روسيا

علينا أن نقيم زيارة صلاح الدين دميرطاش إلى روسيا في هذا الإطار. فلقد انتهى الدور السياسي لهذا الشخص وأصبح جزءًا في الصراع المسلح مع تركيا وركيزة تهديد أساسية في الحرب الموجهه ضد تركيا. ولا بد من اتخاذ إجراء قانوني ضده ومنع استخدام صفته السياسية كقناع يخفي به دوره الحقيقي المنوط به في هذا الخصوص.

ولعله من الواضح أن إيران تقيم علاقاتها مع المنظمات الإسلامية في المنطقة من خلال بغداد في حين تلعب موسكو دور الوساطة في إقامة علاقاتها مع المنظمات ذات الصبغة العلمانية فيها. ومن ثم كان ذهاب دميرطاش إلى موسكو لأخذ تعليمات جديدة بخصوص هذة الحرب ضد تركيا. ومن ثم وجب علينا اتخاذ موقف منه ومن رفقائه السياسين داخل تركيا وإعادة تقيم هؤلاء "الاستعماريين الداخليين" في إطار مفهوم الخيانة العظمى للوطن.

وقد أصبح جليًا خروج حزب الشعوب الديمقراطي الجناح السياسي لتنظيم بي كي كي من عباءته السياسة وارتداءه عباءة المليشيات المسلحة، ولعل الأمر الأغرب هو سير حزب الشعب الجمهوري مؤسس للجمهورية التركية في اتجاه حزب الشعوب الديمقراطي بما يجعلهما ملجأً ومتكأً سياسيًا لكل المؤامرات الخارجية المحاكة ضد تركيا. وعلى الرغم من الانتقادات الواسعة في الرأي العام التركي للشخصيات السياسية المنتسبة لهذين الحزبين إلا أن الإدارة في كلا الحزبين لا تستشعر ضرورة محاسبة هذه الشخصيات. ذلك الأمر الذي سيؤدي في الأيام المتوترة القادمة إلى فتح تحقيق جدي في مدى مشروعية التحركات السياسية لهذين الحزبين.

وإذا ما كانت إيران تتقمص دور الشاه إسماعيل فسيظهر ضدها من يتقمص دور السلطان ياووز سليم

فتركيا لن تنحني أمام هذه التهديدات. وستقاوم بشكل "صارم وحاسم" بل ومتحد لهذه المؤمرات المحاكة ضدها. وهي دولة قوية وقادرة على التغلب ودحض كل هذه المؤمرات الخارجية. والوعي المجتمعي التركي يدرك هذه التهديدات وقدرة تركيا على التغلب عليها.

ستفكك تركيا هذا الحصار المفروض عليها وستفشل الخرائط الجديدة التي يتم تحضيرها للمنطقة الداخلة ضمن حدودها. وستنتقل هذة التهديدات المحيطة بحدودنا إلى مناطق أخرى تتخطى هذه الحدود. وستحدد تركيا خريطتها بنفسها وبأيديها لا بأيدي هؤلاء الذين يحاولون تغيير خريطتها. فهي التي حددت الخريطة الجغرافية لنفسها منذ مئة عام وفرضتها علي كافة الأطراف وهي التي ستحدد هذه الخريطة الآن وتفرضها على الجميع.

وستحدد هذة المرحلة محبي الوطن وخائنيه. وبينما ستكتب الإرادة الوطنية التاريخ من جديد في هذه المسألة... فإن التاريخ سيلعن خونة الوطن مثلما لعن أمثالهم في بدايات القرن الماضي.

وختامًا فإني أتوجه بهذه الكلمة لإيران؛

هناك حرب حسابات بين تركيا وإيران لطالما تحاشيناها ولم نرغب وقوعها بأي شكل. ولكن؛

إذا ما ارتدت إيران عباءة الشاه إسماعيل، فإن تركيا ستضطر لارتداء عباة السلطان ياووز سليم.  

عن الكاتب

إبراهيم قاراغول

كاتب تركي - رئيس تحرير صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس