عبدالله مراد أوغلو- جريدة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس  

لعل مما لا شك فيه أن الصراعات الواقعة في البلاد الإسلامية التي كانت تشكل مراكز الحضارة الإسلامية القديمة وانعدام الوجود الحقيقي لمفهوم "وحدة العالم الإسلامي" على الرغم من الطرح المتكرر لهذا المفهوم في أجندة الدول الإسلامية؛ أدت إلى تعميق جراح العالم الإسلامي في هذا الصدد. فالكل يتحدث مرارًا وتكرارًا عن الوحدة الإسلامية دون أن يتخذ أي خطوات عملية تُغير من مواقفه ومواقعه على أرض الواقع.

ولم تستطع "منظمة العالم الإسلامي" التي تضم تحت سقفها ما يزيد عن خمسين دولة إسلامية حل أية مشكلة جدية من مشاكل العالم الإسلامي حتى الآن.

وقد تحدث البروفيسور" محمد غورماز" رئيس هيئة الشؤون الدينية بتركيا في "مؤتمر الوحدة الإسلامي الدولي التاسع والعشرين" والمنعقد في طهران تحت عنوان "الأزمات الموجودة في العالم الإسلامي" ووضع تصورًا يعتمد على أربعة محاور إصلاحية للموقف الراهن في العالم الإسلامي. كما أشار إلى الأزمة الإنسانية التي تواجه العالم الإسلامي في الوقت الحالي. وينعقد مؤتمر الوحدة الإسلامي - على حد علمي - منذ عام 1980 وحتى الآن.

وأرجو أن يثمر هذا المؤتمر الذي انعقد حوالي 28 مرة إلى الآن إلى نتائج فعلية على أرض الواقع؛ لأن العالم الإسلامي إذا لم يجد حلولًا لمشاكله السياسية والحقوقية والفقهية والاقتصادية التي يواجهها فسيتطور الأمر إلى كابوس أشد وطأة مما هو عليه الحال الآن. ولابد أولًا من وجود أرضية فكرية صلبة للخروج من الأزمة الراهنة. فبدون هذه الأرضية الفكرية سينعدم الفكر والذي سيؤدي بدوره إلى انعدام وجود "تصور حضاري". ذلك الأمر الذي ينعدم بدونه أي تواجد لأي حضارة قط. في حين أننا نملك ميراثًا فكريًا كبيرًا من حضارتنا الإسلامية التي نفتخر بها في الماضي والتي أثبتت وجودها وامتدت على نطاقٍ واسعٍ من بلاد ما وراء النهر إلى دول البلقان ومن البحر الأدرياتيكي إلى بحر الصين ومن المحيط الهندي إلي المحيط الأطلنطي.

ولعل النظام العالمي الذي يشهد اختلالًا واضحا في كافة أرجاء المعمورة اليوم في أشد الحاجة لتصور حضاري وإنساني جديد. والعالم الإسلامي بميراثه التاريخي والحضاري وبموارده الاقتصادية والبشرية المتمثلة في الكتلة الشبابية المسيطرة على تعداده السكاني قادرُ على إضفاء لون حياة جديد للعالم بأكمله.

وعلى الرغم من هذا فإن العالم الإسلامي الآن يعيش مرحلة من الهوة الشديدة بين الطبقات الغنية والطبقات الفقيرة بداخله؛ فالدول التي تشكل الغالبية العظمى للتعداد السكاني في العالم الإسلامي كباكستان وبنغلاديش وإندونيسيا والهند، يعيش سكانها في فقر مدقع حيث تعيش الأسرة الواحدة على أقل من 2 دولار في اليوم.

ولعله إذا ما تم تخصيص مبلغ من الزكاة من صناديق الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي الغنية بالبترول فإنه يمكن تحويل ما يقارب 75 مليار دولار لسد احتياجات هذه الدول الإسلامية الفقيرة. والغريب في الأمر أن قيمة البترول المتبخر الذي تضخه هذه الدول على اعتبار أنها جزء في الصراعات العالمية الدائرة بالقرب من محيطها تتجاوز مليارات الدولارات. وكأنما يتم التضحية بثروات العالم الإسلامي النفطية تحت غطاء عقاب بعض هذه الدول التي يرتبط اقتصادها بالبترول .

ولا بد أن نشير هنا أن العالم الإسلامي لن يستطيع أن ينثر غبار الموتى من على عباءته طالما استمر تحت قيادة أنظمة متسلطة ومستبدة. ولا يمكننا أن نتبرأ من هذه المسؤولية ونلقي بالذنب على الماضي والقوى الاستعمارية الغربية فحسب. فالعالم الإسلامي بجاجة ماسة إلى الهدوء والاستقرار وتكوين أرضية فكرية مشتركة. وختامًا ينبغي علينا أن نتخلص من صراعات القوي والتعصبات السياسية والمذهبية والعرقية الموجودة داخل عالمنا الإسلامي. ولعله يراودني هنا وفي هذا السياق  كلمات البروفسور محمد غورماز التي أدلى بها في مؤتمر الوحدة الإسلامي الأخير بطهران حيث تحدث قائلًا:

"لا يمكننا كعالم إسلامي أن نصل إلى الاستقرارالمنشود طالما ظلت هذة الاختلافات المستمرة لعهود طويلة قائمة بيننا، ولا يمكننا أن نطفئ الحلقة النارية التي تحيط بدولنا الإسلامية ويتسع قطرها يومًا بعد يوم طالما انشغلنا بتخوين بعضنا البعض وبحث كلٌ منا عن خطأ الآخر. ومن ثم فعلينا سرعة التحرك قبل أن تلتهمنا هذه النار المحيطة بنا وتحولنا جميعًا إلى رمادٍ منثور وتقضي بذلك علي الأمل المتبقي للأمة الإسلامية".

ونتمنى أن تلقى كلمات رئيس هيئة الشؤون الدينية هذه استجابة عاجلة وإيجابية لدى الدول الإسلامية، وألا يقتصر مفهوم "الوحدة" الذي يعبر عن الأخوة والتعاون والتضامن في العالم الإسلامي على جلسات المؤتمر المنعقدة تحت هذا الاسم في كل عام.

عن الكاتب

عبد الله مراد أوغلو

كاتب في صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس