محمد حسن القدو - خاص ترك برس

لم تكن لتنشأ العلاقات الاقتصادية بين دول العالم دون وجود أرضية قوية من التفاهمات السياسية بين الدول تتخلها ثقة متبادلة للشروع في وضع آلية توافقية محكمة في ما بينها تكون  بمثابة وضع القاطرة على سكة الحديد إن جاز التعبير ولأن رأس المال ينمو ويزدهر حيث ما وجد مكانا آمنا فعليه إن الانتعاش الاقتصادي بين الدول لا بد أن تكون وليدة من رحم العلاقات السياسية المتينة، والحديث عن العلاقات الاقتصادية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية التركية يسبقه الحديث عن العلاقات السياسية الحميمة بين الحكومتين والشعبين، وإن تطوير أية علاقات سياسية للملكة العربية السعودية مع الدول الأخرى لا بد أن تمرعبر بوابات وأهمها الثقة المتبادلة وحاجة الشعبين لذلك التطوير في العلاقات، ولأن السعودية لا تتخلى بسهولة عن أصدقائها لذا فهي تعمد إلى التمهل كثيرا قبل اتخاذ أية قرارات وعلاقات متميزة بينها وبين باقي الدول. وتتميز علاقة تركيا مع المملكة بوجود أهداف مشتركة بين الدولتين واضحة المعالم، فكلتا الدولتين ترغبان في أن تكون منطقة الشرق الأوسط منطقة هادئة بعيدة عن الصراعات الدولية لاتؤثر فيها التيارات المتجاذبة العنيفة.

وكذلك فإن العلاقات السعودية التركية هي علاقات بين دولتين متميزتين في الشرق الأوسط فللدولتين ثقل إقليمي كبير ويتمتعان بموقع استراتيجي متكامل بينهما فالممر الأوروبي يمر عبر تركيا من كل الشرق والجنوب الشرقي من المعمورة والسعودية هي أيضا الممر الامن وحلقة الوصل الاستراتيجي بين مختلف النشاطات الاقتصادية العالمية، والدولتان عضوتان في مجموعة العشرين  وتملكان اقتصادا قويا ومتينا ومستقرا وأيضا إمكانات بشرية هائلة ومتدربة مؤهلة ومع مساحة شاسعة من الأراضي متنوعة التضاريس تتنوع فيها مختلف أوجه النشاط الإنساني الزراعي والصناعي وثم التجاري بالنتيجة.

تتنوع الصادرات التركية إلى دول العالم بعدة مجالات فمنها صادرات السيارات وأجزائها (قطع الغيار)، وكذلك الآلات الميكانيكية والحديد والصلب بالإضافة إلى السلع المصنعة من الحديد والصلب والأجهزة الكهربائية وأجزائها وكذلك الأحجار الكريمة والمعادن الثمينة واللآلئ والأدوات الخاصة بها بالإضافة إلى الزيوت المصنعة الميكانيكية المعدنية والمنتجات المتقطرة إضافة إلى المنتجات البلاستيكية المتنوعة الاستعمال، بالإضافة إلى أنواع كثيرة من الملابس المحاكة (التريكو) وأيضا سلع الملابس غير المحاكة والتي تلبي كافة متطلبات السوق. والجدير بالذكرأن تركيا حصلت على عضوية منظمة التجارة العالمية عام 1995 والتي بموجبها تؤكد التزامها بمعايير التجارة العالمية والإقليمية.

لكن الملاحظ أن هناك تباينا واضحا في حجم الصادرات التركية القليلة والمتواضعة إلى دول الشرق الأوسط ومنها السعودية مقارنة بغيرها من الدول فمثلا دول الاتحاد الأوروبي تستورد أكثر من 68% من مجمل الصادرات التركية بينما لا يتجاوز حجم البضائع المستوردة من قبل دول الشرق الأوسط 16% تتمثل بالمنتجات الصناعية والزراعية والاستهلاكية.

إلا أن الاتفاقيات الاقتصادية التي جرت في السنوات الأخيرة بين تركيا والدول العربية والتي تنوعت بين التجارة الحرة والمناطق المشتركة  بالإضافة إلى الاتفاقيات بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي وغيرها من المنظمات التجارية هي عبارة عن مرحلة جديدة من العلاقات التجارية .

وبعد التقارب العربي التركي أصبحت العلاقات تقاس بمعيار آخر وبدأت لغة الأرقام هي في المرتبة الثانية في العلاقات الثنائية وخصوصا بعد إرسال رسائل أخوية صميمية بين الدول العربية وتركيا أساسها المصير المشترك بينهما وعلى هذا المقياس بنت العلاقات الثنائية والاستراتيجية بين الدول العربية وتركيا، وفي القريب العاجل وفي ضوء زيارة الرئيس أردوغان إلى السعودية ستكون هناك أرضية مشتركة بينهما تمحي المرحلة السابقة بكل مصطلحاتها من التسميات في العلاقات العربية مع تركيا كافة وستكون هناك مفاهيم جديدة وبناءة تعكس الواقع عن قرب الأتراك من العرب ومن قضاياهم.

وتأتي الزيارة في ظروف بالغة الاستثنائية ومن أولياتها وما يهم الجانب السعودي هو التنسيق المباشر بينهما في القضية السورية وكذلك السعي السعودي الجاد في سبيل تحريك جمود العلاقات التركية المصرية بعد أن استطاع الجانب السعودي إقناع الرئيس المصري من تلبية بعض متطلبات عودة العلاقات بين تركيا ومصر، والسعي السعودي لعودة العلاقات تكمن في دعم التحالف السعودي الدولي والذي أعلن عنه في الفترة الحالية، ومما لاشك أن السعودية تنظر إلى دور مصر وتركيا وقطر بمنظار خاص إن لم نقل إن الدول الثلاثة  ستقود هذا التحالف إلى جانب السعودية، أما ما يقلق القيادة السعودية أكثر من غيرها هو فشل مساعيها في عودة العلاقات التركية المصرية لأن أية تحالفات سعودية مع تركيا بدون مصر ينظر لها بغرابة وخصوصا إذا كانت تحالفا يهم المنطقة العربية بالذات، إضافة إلى ذلك تسعى السعودية إلى أن يتم دخول تركيا الجارة ومشاركتها في حل الأزمات العربية بترحيب من دول عربية  لها وزن سياسي ومؤثر مثل مصر وقطر، فعليه ستسعى السعودية بكافة الوسائل الدبلوماسية والأخوية إلى إقناع الأتراك بضرورة عودة العلاقات بينهما (تركيا ومصر). والجانب التركي، وبعد التضامن العربي الرسمي والشعبي معه بعد إسقاطه الطائرة الروسية مؤخرا، بدا أكثر استعدادا من أي وقت مضى لتمتين علاقاته مع الدول العربية إضافة إلى مساعيه في كسب تأييد دولي لغرض إنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي السورية لتوطين اللاجئين السوريين المتواجدين داخل الأراضي التركية.

أما الأهمية الأخرى للزيارة فتأتي في إطار التصدي للنفوذ الايراني في المنطقة وتدخلاتها السافرة في شؤون الأقطار العربية ومنها سوريا والعراق واليمن ولبنان.

أما القضايا الأخرى المشتركة والتي تتوحد فية وجهات النظر هو دعم المعارضة السورية المعتدلة سياسيا وعسكريا.

ويتأمل المراقبون أن تكون نتائج زيارة الرئيس التركي إلى السعودية مهمة جدا لتصحيح المسارات السياسية في المنطقة، وتعلق الآمال على تطوير العلاقات الثنائية بين السعودية وتركيا لدرجة التنسيق القيادي بين الدولتين  وكما هو الحال في العلاقات بين تركيا وقطر.

وفي أول تعليق سبقت  زيارة الرئيس أردوغان إلى السعودية في مقال كتبه المحلل السياسي تاستكين في صحيفة "المونيتور" الأمريكية، إن العلاقات بين السعودية وتركيا حتى الآن تبدو وكأنها مقدسة وغير قابلة للجدال.

واستطرد الكاتب رغم اختلاف وجهات نظر الدولتين فيما يتعلق ببعض القضايا الإقليمية، فإن الرياض وأنقرة حافظتا على علاقات ثنائية بعيدة عن المشاحنات الإقليمية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس