زيرفان البرواري - خاص ترك برس

الجهود التي بذلتها العدالة والتنمية في سبيل تحقيق التنمية الديمقراطية ودمقرطة المجتمع التركي انبثقت من إرادة التغيير لدى النخبة التركية الجديدة، وكذلك عبرت عن الطموح في تحقيق نهضة شاملة في تركيا، ففي البعد الديمقراطي كانت تدخلات العسكر والقضية الكردية من أهم العوائق أمام تلك الطموحات، وعليه بدأ العمل على حل معضلة الديمقراطية التركية من خلال الحد من تدخل المؤسسة العسكرية في رسم السياسة العامة والخارجية للبلاد. وكذلك تبني الحل السلمي للقضية الكردية.

ساهمت المؤسسة العسكرية التركية في حماية المصالح القومية التركية، إلا أنها أثرت سلبا على الممارسة الديمقراطية من خلال تنفيذ انقلابات عديدة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ومن ثم الانقلاب الأبيض في تسعينيات القرن الماضي ضد حكومة التحالف التي قادها حزب الرفاه.

فالإصلاحات التي نفذها العدالة والتنمية في مجال إبعاد العسكر عن المؤسسة السياسية أعطت لتركيا ثقلًا سياسيًا كقوة إقليمية مرنة تستند على معايير ومبادئ الاتحاد الأوروبي في تحقيق متطلبات كوبنهاغن (Copenhagen criteria) الخاصة بعضوية أنقره في الاتحاد الأوروبي. وقد استندت عملية الإصلاح في إعادة العسكر إلى ثكناتهم العسكرية على متطلبات الاتحاد الأوروبي واستغلال العدالة والتنمية لتلك المتطلبات لإبعاد شبح الانقلابات العسكرية ضد حكومتهم.

أما القضية الكردية فقد سيطرت على الأجندة الاستراتيجية للدولة التركية في البعدين المحلي والخارجي، ففي الداخل ارتبط الإصلاح الديمقراطي بحل القضية الكردية من خلال إعلان مشروع الانفتاح السياسي لعام 2009 الذي استهدف توفير الأرضيّة الملائمة للمصالحة الوطنية من خلال اتساع الحريات الثقافية والسياسية للأقلية الكوردية والأقليات الأخرى في تركيا، وحسب تصريحات قادة العدالة والتنمية فالقضية الكردية قضية وطنية وإن مفاتيح حلها سوف تتم وفق آليات وخطط محلية من خلال التنمية الاقتصادية في جنوب شرق تركيا وكذلك اتساع الحريات السياسية والمشاركة السياسية من خلال التمثيل المحلي في مجالس البلديات وكذلك البرلمان. فالعدالة والتنمية عملت على تحسين الحالة الاقتصادية من خلال تضيق الفجوة التنموية بين المدن التركية خاصة في جنوب شرق تركيا، وبذلك هيمنت على قلوب الكثيرين الذين صوتوا لصالحهم.

وفي البعد الخارجي استمرت العدالة والتنمية في تنفيذ مخطط السياسة المرنة مع الإقليم الكردي في العراق من خلال التبادل الاقتصادي والتفاهم الأمني والسياسي مما افرز ت تغييرا في الاستراتيجية التركية تجاه الأكراد في البعد الإقليمي للسياسة الخارجية التركية.

إن استمرار نهضة تركيا واتساع دورها الإقليمي مرتبط بالاستقرار السياسي الداخلي لتركيا وكذلك استمرار الاستقرار في الحدود الجنوبي للدولة التركية، والسؤال الذي يطرح نفسه هل الحل العسكري بديل للحل السلمي بعد تعقيد الملف الأمني في سوريا واستمرار التدهور في العلاقات التركية الروسية، أم أن الحل السلمي بديل لعسْكرة القضية الكردية والمفتاح الأساسي لتحقيق النهضة التركية في الداخل والخارج؟

إن النزاع العسكري بين الحكومات التركية والعمال الكردستاني لأكثر من ثلاثة عقود لم تثمر عن نتائج مرضية للطرفين، وإن عملية السلام التي أعلنتها الحكومة التركية مؤخرًا تعبير واضح عن كون الحل السلمي الآلية الأمثل لتحقيق السلام والاستقرار في تركيا، وعليه لا بد من العمل على إعادة العمل باتفاقية السلام مع الأكراد، وكذلك تفعيل دور أوجلان في إدارة مسيرة السلام، فالتصعيد من قبل حزب الشعوب الديمقراطي والأخطاء الاستراتيجية التي وقعت فيها بعد زيارة النخبة الكردية لموسكو كل هذه الأمور تقع ضمن ملف التصعيد السلبي ضد الحكومة التركية والوقوع في فخ الاجندة الإقليمية والدولية والتنافس الإقليمي بين تركيا وكل من إيران و روسيا.

وفي المقابل تحمل الحكومة التركية المسؤولية في إدارة الأزمة من خلال اتساع استخدام القوة الصلبة في التعامل مع المناطق الكردية مؤخرا وكذلك المخاوف المبالغة فيها من استخدام كل من إيران وروسيا للورقة الكردية ضد المصالح التركية.

يمكن تفعيل الحل السلمي من جديد من خلال التعامل مع شخصية أوجلان وإعادته إلى الصورة كونه الزعيم الذي يتصف بسياسة الرمز لدى أكراد تركيا، وتفعيل دوره في التقارب بين وجهات النظر، وعلى الأطراف الكردية تفعيل العقل والواقعية السياسية على شعارات وأجندة إقليمية طالما أثرت سلبا على الأكراد في تركيا.

عن الكاتب

زيرفان البرواري

كاتب مختص في الشوون التركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس