حسناء كلينج أرسلان - خاص ترك برس

جمهورية شمال قبرص التركية، تقع في الجزء الشمالي من جزيرة قبرص، وهي ذات أغلبية سكانية من أصول تركية. وعلى الرغم من إدارة هذا الجزء من جزيرة قبرص كدولة مستقلة، إلا أنه لا تعترف باستقلاله أي دولة أو مؤسسات دولية إلا تركيا. لذلك تدير جمهورية شمال قبرص علاقتها الخارجية عن طريق تركيا، وكذلك يرتبط اقتصاد الجمهورية بالاقتصاد التركي بشكل كامل وتستعمل فيها العملة التركية كعملة رسمية.

وتطمح جمهورية قبرص إلى استعادة الأراضي الخاضعة لسيطرة جمهورية شمال قبرص، و لكن رغم اعتراف المجتمع الدولي بسيادة جمهورية قبرص على جميع آراضي الجزيرة، فقد فشلت كل المحاولات الدولية لتوحيد الجزيرة من جديد. ومع ذلك، يبدو أن هناك انخفاضًا في حالة التوتر بين الجمهوريتين، إذ قرر الجانبان في نيسان/ أبريل من عام 2003 افتتاح 3 معابر على خط الهدنة الفاصل بينهما.

وتمتد أراضي الجمهورية على مساحة 3,335 كم مربع، ويبلغ عدد سكانها ما يقارب 210,000 آلاف نسمة.

أُعلِن عن إنشاء جمهورية شمال قبرص التركية في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 1983،  ولكنها نشأت فعلا بعام 1975 إثر الاجتياح العسكري التركي لقبرص واحتلالها الجزء الشمالي من البلاد. وجاء التدخل العسكري التركي في أعقاب أزمة حادة في العلاقات بين المجتمعين اليوناني والتركي في قبرص انتهت بانقلاب عسكري قاده عناصر من القبرصيين اليونانيين.

وتجدر الإشارة إلى أن جزيرة قبرص تعاني من الانقسام بين شطرين، تركي في الشمال، ورومي في الجنوب، منذ عام 1974، وفي عام 2004 رفض القبارصة الروم خطة الأمم المتحدة لتوحيد الجزيرة المقسمة.

وكان زعيم القبارصة الأتراك السابق "درويش آر أوغلو"، و"أناستاسياديس" قد تبنيا في 11 شباط/ فبراير 2014 "إعلانًا مشتركًا"، يمهّد لاستئناف المفاوضات، التي تدعمها الأمم المتحدة لتسوية القضية القبرصية، بعد توقف الجولة الأخيرة في آذار/ مارس 2011، عقب إخفاق الجانبين في التوصل إلى اتفاق بشأن قضايا، مثل تقاسم السلطة، وحقوق الممتلكات، والأراضي. وتشهد المفاوضات زخما كبيرا، بعد تولي أقنجي رئاسة قبرص التركية.

حركة قبرص الشمالية

يُعرف أن سكان قبرص الشمالية غالبيتهم من الأتراك المسلمين، وكانت تحت سيطرة الروم اليونانيين. وكان الأتراك يتعرضون للاضطهاد والقتل حتى عام 1974.

وفي عام 1974 كان رئيس الوزراء التركي "بولنت أجاويد"، رئيس حزب الشعب الجمهوري اليساري، ونائبه البروفسور الدكتور نجم الدين أربكان، والذي كان يرأس حزب السلامة الوطنية. تسببت زيادة الضغوطات على الأتراك بقيام رئيس الوزراء أجاويد بزيارة إلى عاصمة البريطانية لندن، ليجري لقاءات دبلوماسية مع حلفائه الغربيين. ولم تكن لدى أجاويد رغبة في التدخل العسكري في قبرص.

في اثناء غيابه اجتمع أربكان بشكل عاجل مع الحكومة وقائد الجيش التركي، واستطاع أن يقنعهم بالتدخل العسكري في قبرص بأسرع الوقت. وفعلا اتُّخِذ القرار بالتدخل العسكري مباشرة لوقف كل ما يتعرض له المسلمون وحماية الشعب القبرصي التركي، وانطلقت في ذلك الوقت حركة تحرير قبرص الشمالية بالرغم من وجود معارضة لها.

يقول الكاتب أحمد صالح في مقالته بعنوان "أربكان، وراء نيل حقوق القبارصة الأتراك" عن الذي يتحدث عن تحرير قبرص، إن القوات التركية استطاعت بكل أصنافها أن تقوم بعدة هجمات عَجز اليونانيون عن التصدِّي لها، وكان التحرك التركي في ذلك الوقت من الأحداث التي أبهرت العالم، كونها أول دولة تتشجع وتَهْجم على دولة أوروبية. هُرِع "أجاويد" إلى تركيا بسرعة، وطالب بإيقاف القتال وأمر برجوع القوات التركية بالرغم من نصائح "أربكان" بأن العملية لم تكتمل بعد، أصرَّ "أجاويد" على وقف إطلاق النار؛ بسبب الخوف من ازدياد شعبية "أربكان"، خاصةً بعد رجوعه من الخارج، فقد وجد صور "أربكان" معلقةً في كل الأماكن، وخلافًا لما يدَّعي البعض من أن "أجاويد" هو السبب الرئيسي في حركة تحرير قبرص؛ لكن الثابت أن "أربكان" هو مَن قام بتلك الحركة، وهذا أكَّده الخبر الصادر في 21 تموز/ يوليو 2010م في جريدة (مللي غازيتة) التركية.

وحيث أن صحيفة (مللي غازيتة) تركية، فإن أرشيف الوثائق البريطانية؛ يكشف أن الذي قام بحركة تحرير قبرص هو "نجم الدين أربكان" وليس "بولنت أجاويد" كما يعلم الكثير. وقد استطاع أحد الباحثين الأتراك، وهو مصطفى صدقي بيلجين عضو هيئة الندريس في جامعة "كاهرامان مرعش" في أعماله لتحضير الدكتوراه تحت عنوان "القوى العظمى، تركيا وقضية قبرص (1967- 1975م)" التي استمرت حوالي  10 سنوات أن يدخل أرشيف الوثائق البريطانية، ويتوصَّل إلى عدد كبير من الوثائق التي تتناول مواضيع لم تُذكر من قبل ممّا يتعلق بالأحداث التي جرت قبل وبعد حركة تحرير قبرص، وبدأت هذه الوثائق بالظهور بعد عام 2006م؛ حيث استطاع بيلجين خلال هذه الفترة أن يدققها، ويستخرج منها المعلومات الخاصة بقضية قبرص.

تُظهِرُ الوثائق أن "المباحثات التي أجراها "أجاويد" في زيارته إلى لندن في ذلك الوقت أنه كان يبحث عن حلٍّ للموضوع، دون الدخول في حرب، ورفضه لحركة التحرير، وتُظهر الوثائق أيضًا في خصوص تنفيذ الهجوم، أن نجم الدين أربكان كان أكثر فاعليةً ورغبةً، أما "أجاويد" لم يكن يدنو من الحرب. وتوضِّح أيضًا التقارير التي أرسلها السفير البريطاني في ذلك الوقت أن "أربكان" كان ينوي أخذ قبرص كلها، وأن رئيس أركان الحرب التركية في ذلك الوقت سميح سنجار قدَّم كل المساعدات لأجل الحرب".

وفي عام 2008م اعترف الرئيس الأول لجمهورية قبرص التركية رؤوف دنكتاش بأن الذي أعطى الأمر بالتدخُّل العسكري الفوري بعد تدهور الأوضاع في قبرص الشمالية هو نجم الدين أربكان نائب رئيس الوزراء حينها ورئيس حزب السلامة بعد اجتماعه مع رئيس الأركان الحربية.

وكانت كل هذه الأحداث عندما كان نجم الدين أربكان رئيسًا لحزب السلامة في السبعينيات، وكان الحزب في ائتلاف مع حزب الشعب الجمهوري برئاسة "أجاويد"، استغل "أربكان" وجوده في هذا المنصب، وقام بتحقيق واحد من أكبر الإنجازات التاريخية بتحريره جزيرة قبرص الشمالية من الأيدي اليونانية، أدَّى ذلك إلى فضِّ الائتلاف بعد تسعة أشهر من تأسيسه تقريبًا، ليحل أربكان إحدى القضايا التي استمرت طويلًا دون حل.

وتعد جزيرة قبرص أيضًا من الأماكن الاستراتيجية في العالم، فبالرغم من أنها مستقلة ولها إدارتها إلا أنها لا تحظى باعتراف دولي على أنها دولة مستقلة، وتتعرض قبرص حاليًّا لعدة مخططات، ويحاول الصهاينة أن يجدوا نفوذًا اقتصاديًّا لهم بها، ويحذِّر الكثير من الاستراتيجيين الأتراك من إهمال قبرص والانتباه إلى ما يُجرى فيها من تحركات صهيونية وغربية.

عن الكاتب

حسناء جوخدار

صحفية تركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس