محمود أوفور - صحيفة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

 في الواقع لا يوجد أي انتخابات قريبة على الساحة التركية، ولكن الحديث الآن عن تغيير في طبيعة العمل السياسي غير وارد حاليا، غير أنه من الممكن أن نشهد تغيرات بعد ستة أشهر من الآن عند مناقشة الدستور الجديد، خاصة أن الساحة التركية ليس لديها وقت تضيعه مع معارضة لا تستطيع لعب دور سياسي قوي، وحزب الشعب الجمهوري لأوضح مثال على ذلك.

حزب  الشعب الجمهوري الذي ظل يحارب جماعة كولن و يحذر منها على على مدار سنوات طويلة، الآن يقوم بالتحالف معها، ومن ثم أعلن تأييده لتنظيم "بي كا كا" الإرهابي، كما أنه أظهر تعاطفه مع النظام السوري الذي إرتكب مجازر بحق شعبه وذلك عن طريق إرسال عدة وفود لدمشق، حتى أن أحد نواب حزب الشعب الجمهوري قال بشكل علني أنا سأقف مع إيران إذا فكرت تركيا بخوض حرب ضد إيران، هكذا وصل الحال بأكبر أحزاب المعارضة.

في الحقيقة هذه هي عقلية حزب الشعب الجمهوري ولكن لم تظهر هذه العقلية إلا في الأونة الأخيرة، حيث جعلت مؤيدين الحزب  ومن صوتوا له في الإنتخابات يصابوا بخيبة أمل من مواقف الحزب.

فلننظر الى المؤتمر الـ 93 للحزب الذي عقد قبل عدة أيام، ما الذي علق في أذهاننا من هذا المؤتمر؟  لا يوجد شيء يستحق الذكر! بل لم نجد في هذا المؤتمر سوى شتائم و قذف بحق رئيس الجمهورية، حتى الشعار الذي زينت به قاعة المؤتمر " التغيير، الديمقراطية، الأخوة " لم نجد له صدى في ما جاء في المؤتمر.

أما وضع حزب الشعوب الديمقراطي وحزب الحركة القومية فهو أسوء من حزب الشعب الجمهوري،  فحزب الحركة القومية اتبع سياسة الرفض لكل شيئ فأدى الى خفض تمثيله البرلماني الى النصف، أما حزب الشعوب الديمقراطي رهن كل نجاحاته السياسية في يد قيادة تنظيم "بي كا كا"  حيث فقد كل شعبيته على  الساحة التركية و الكردية، فكلى الحزبيين يعيشان زلزالا داخليا.

في الواقع كان زعيم حزب الحركة القومية "دولت بهتشلي" يتأمل في حدوث إنشقاق داخل حزب العدالة والتنمية وميلاد حزب جديد منبثق من العدالة و التنمية، غير أن هذا التوقع لم يحدث، بل إستطاع العدالة و التنمية أن يحصد أغلبية الأصوات في إنتخاابات الأول من نوفمبر. أما الآن فالحديث عن ظهور حزب خامس ليس من الحزب الحاكم بل من أحزاب المعارضة.

قبل يومين على أحد البرامج التلفزيونية تحدث "عادل كور" مدير عام أحد أهم شركات استطلاع الرأي في تركيا عن أن انتخابات 2019 المقبلة لن تدخل أحزاب المعارضة الإنتخابات بقياداتها الموجودة حاليا، لأنه لا يوجد سبب واحد يجعل زعماء المعارضة يستمروا في مناصبهم، حيث سيخرج حزب خامس من عبائة تلك الأحزاب.

فالمطلع على وضع تلك الأحزاب يرى أن ظهور حزب جديد  بات أمرا واقعا، أما الأمر الأهم أنه في حال شهدت البلاد أي انتخابات فإن حزب الشعوب الديمقراطي وحزب الحركة القومية لن يستطيعا تخطي العتبة الإنتخابية، أما فيما يتعلق بحزب الشعب الجمهوري فلن يستطيع الحصول على الأصوات التي حصل عليها في الإنتخابات الأخيرة، وهذا أمر كارثي بالنسبة للديمقراطية في تركيا. وهذا التوقع أيده العديد من إستطلاعات الرأي، حيث أظهرت إحدى الإستطلاعات أن 55 بالمئة من مؤيدي حزب الشعب الجمهوري مستاؤون من إعادة إنتخاب كمال "كليتشدار أوغلو" زعيما للحزب. كما أظهر الاستطلاع أن 93 بالمئة من الذي يصوتون لحزب الشعب الجمهوري لا يرون أن الحزب بقيادة "كليتشدار أوغلو" يمكن أن يصبح الحزب الأول في تركيا.

أما بالعودة لموضوع ما مدى إحتياج الساحة السياسية في تركيا لظهور حزب جديد، فقد أظهرت استطلاعات الرأي أن 52 من الناخبين ذي التوجهات اليسارية يرون أن تأسيس حزب جديد يمثل اليسار في تركيا أصبح أمرا ضروريا. فيما أظهر استطلاع الرأي أن 83 بالمئة من الناخبين اليساريين يمكن أن يعطوا أصواتهم للحزب الجديد إن تأسس.  

وفي هذا السياق أتوقع أن القاعدة الشعبية لحزب الشعوب الديمقراطي وحزب الحركة القومية لن تختلف كثيرا عن نظرة مؤيدي حزب الشعب الجمهوري.  فالساحة السياسية في تركيا تحتاج إلى سياسيين يمارسون سياسة عقلانية في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة والعالم ولا تحتاج إلى سياسيين لا يملكون سوى الشتائم و التقريع و زرع بذور الكراهية.

مع الأسف الشديد أحزاب تركيا القديمة تقوم بإضاعة مجهود المعارضة في أمور لا فائدة منها، و لهذا السبب أرى أن تركيا بحاجة الى حزب وطني جديد، لأن الساحة التركية تحتاج الى معارضة يسارية ليبرالية قوية.

عن الكاتب

محمود أوفور

كاتب في جريدة صباح


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس