د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس

هذه المرة مات قبل أن يولد.. والأسباب كثيرة...

بداية لا بد من التنويه لحقيقة - وعادة طعم الحقيقة مُر- يتناساها الكثير من الناس، ويغفل عنها بعض السياسيين  خاصة عندما يسمعون كلامًا معسولًا من سفراء وممثلي بعض الدول التي تدعي أنها مع الحرية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية .

وضوح بعض الحقائق كأشعة الشمس، وفقاعة بعض المواقف التي تدعي أنها أصدقاء للشعب السوري، يجعل الكلام عنها يبدو وكأنه بعد عن الواقع، وسطحية في التفكير ومجافاة للدبلوماسية والحنكة والحكمة.

سبب هذا كله ومرده، هو البعد عن الثوابت أو نسيانها، أو عدم الإيمان بها وافتقار البعض لها، والتوهم والانخداع بمصطلحات جديدة، والركض وراء سراب من الأوهام والمصالح الآنية الشخصية أو الحزبية أو العرقية والقومية.

كما أن للكون سنن وقوانين، وللمهن قواعد وأصول، كذلك للحرب والثورات ثوابت ومطالب وللمفاوضات قواعد وأحكا.

ففي الفقه والتشريع قاعدة سد الذرائع ودرء المفسدة مقدمة على جلب المصلحة.

وبالقانون يقولون المتهم بريء حتى تّثبُتّ إدانت. وعندنا بالطب نقول إن التشخيص نصف العلاج، فالتشخيص الصحيح يؤدي لعلاج صحيح، وشفاء للجسم بأقصر فترة زمنية، وبأقل الأضرار وأقل التكاليف...

كل هذه المفاهيم والقيم والأصول والقواعد ما لم يتم الاستفادة منها، وما لم تكن حاضرة في عقول وأذهان الحاضرين والمشاركين، فلن نستفيد من كل هذه المفاوضات والمؤتمرات واللقاءات.

عندما فاوض كفار قريش النبي عليه الصلاة والسلام للتنازل عن بعض الأوامر الربانية للتعايش وتقاسم الحكم والمناصب، فكان رده الواضح والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله، أو أهلك فيه...

أما ربعي بن عامر فقال لقائد الفرس أتيتك بقوم يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة...

الحقيقة التي يجب أن تبنى عليها الثوابت والمواقف هي موقف هذه الدول كلها حتى التي تسمى بأصدقاء الشعب السوري، أنها ليست مع ثورات الربيع العربي ولا تريد لهذه الشعوب نيل الحرية والانعتاق من العبودية، خاصة عندما تكون هذه الشعوب المسلمة ومن العرب السنة بشكل أخص.

حقيقة أن هذه الدول لم تكن يوما مع هذه الشعوب لنيل حرياتها، وعندما فاجأتها هذه الثورات، لم تكن في البداية قادرة على منعها ووأدها، لكنها وبعد أن تركت لهذا السيل أن يجرف ما يجرف، أعادت ترتيب مواقفها وأوراقها من جديد.

فلم تأبه لما حدث في مصر من انقلاب ضد الشرعية بل وشجعته ودعمته، واستقبلت قائد الانقلاب بدون أي خجل ومضض.

اليوم المواقف الأمريكية الحليف الظاهري لتركيا، تميل بحسها العقائدي والثقافي لروسيا، وتعمل على عكس ما يجب أن تقوم به كحليف استراتيجي وشريك في حلف شمال الأطلسي. بل ربما تميل لنظام الأسد رغم إجرامه وقتله لنصف مليون سوري واستخدام السلاح الكيماوي، ذلك لأنه حامي إسرائيل الطفل المدلل لأمريكا.

كان واضحًا أن جنيف 3 يختلف جذريا عن سابقيه لأسباب عديدة، من أهمها التغير لموازين القوى على أرض الواقع بعد الاحتلال الروسي، الذي سكت عنه العدو والصديق، القريب والبعيد.

والاتفاق النووي بين إيران والغرب ورفع العقوبات عن المليارات المجمدة وإطلاق يد القتل والبطش الإيرانية في سورية.

مواقف الأمم المتحدة وتواطؤها مع النظام السوري لتزوير حقائق الحصار والقتل تجويعا في كثير من مناطق سورية وفي مقدمتها مضايا والمعضمية وداريا.

على هذه الأرضية وبعد التوافق الروسي الامريكي وشرب نبيذه، تم تكليف دي مستورة للتستر على جرائم النظام وتطبيق مقولة المعلم الثخين وزير النظام السوري عندما قال سنغرقهم بالتفاصيل… فعمل ولا يزال يعمل بكل ما يستطيع لتمييع الثورة السورية وتمييع المفاوضات...

كان الحديث في المؤتمرات السابقة هو الحكومة الانتقالية كاملة الصلاحيات وأن لا دور للأسد في سورية المستقبل، فأصبح الحديث عن الخطة الإيرانية وهو تشكيل حكومة وطنية تشارك المعارضة ببعض وزاراتها...

صحيح أن كل الحروب تنتهي على الطاولة وبالحل السياسي، لكن هذا مرتبط بالواقع على الأرض وموازين القوى على الجبهات، وحالة كل طرف من تقدم وتقهقر، ونصر وهزائم...

روسيا والنظام وإيران ومعهم أمريكا يريدون من الثورة والمعارضة الاستسلام والعودة لبيت الطاعة بدون أي شرط وقيد.

فماذا تفهم المعارضة السورية من الحل السلمي وماذا تنتظر من المفاوضات؟

هل هي مستعدة لتقاسم الحكم مع النظام، وهل تعتقد أن النظام يمكن التعايش معه؟ هل تحلم بإسقاط الأسد عن طريق المفاوضات؟؟

هل لديها الرؤية الواضحة ...؟

صحيح أننا نعيش في عالم ولا يمكن التغاضي عمن يمسك بمقاليد الأمور، وأن هناك ضغوطا كبيرة تمارس على المعارضة وعلى الدول الداعمة لها… لكن وضوح الرؤية والثوابت تعطي المفاوض قوة بالقرار والمناورة طالما كان يدرك حقيقة الأمر والمفاوضين، ومستعدًا لأسوء الاحتمالات وجاهزًا لأكبر التضحيات…

وتظل إرادة الشعوب هي الإرادة التي لا تقهر إن صدق أفرادها وثبتوا على مبادئها ولم يتنازلوا عن مطالبها وأهدافها...

والأهم من ذلك كله هو من يملك زمام المبادرة ويعرف كيف  يحفز ويحرك هذه الشعوب ويكون قائدها الحق بالميدان والمقدمة...

هذا ما تنتظره هذه الشعوب التي خرجت لنيل الحرية وكسر قيد الذل والعبودية وهي مستعدة لتقديم التضحيات مهما غلت من أجل ذلك...

وقد صدقت في خمس سنين مضت...

وهذا ما يجب أن نستخلصه من جنيف 3 الذي مات قبل أن يولد...

فهل نعي الدرس ونعمل بمقتضاه...؟؟

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس