برهان الدين دوران – صحيفة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

وأخيرا حدث ما كان في الانتظار، فتركيا قصفت قوات "حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب" التي دخلت مدينة أعزاز تحت ظل المدافع.

رئيس الوزراء داود أوغلو كان قد أفاد بأن قذائف المدفعية لن تتوقف قبل انسحاب قوات حزب الاتحاد الديمقراطي من مدينة أعزاز ومن قاعدة مِنّغ الجوية. أما السبب الذي يقف خلف التدخل التركي فهو أن حزب الاتحاد الديمقراطي والذي كان قد حُذر مرارا من مغبة أي محاولة للعبور إلى منطقة غرب الفرات في الشمال السوري حاول وتحت غطاء الطائرات الحربية الروسية تجاوز الخط الأحمر والمرور إلى غربي الفرات وفرض سيطرته هناك فكان لا بد من تدخل رادع لهذا التجاوز.

يمكننا أن نستشف أن الاجتماع الأمني المصغر الذي عقده رئيس الجمهورية بعد عودته من جولته في أمريكا اللاتينية قد تناول آخر التطورات على الساحة السورية وناقش ملف حزب الاتحاد الديمقراطي ومروره إلى أعزاز ووصل إلى قرار بالرد والتدخل. فقد طفح الكيل التركي من المستجدات على الحرب الداخلية السورية وبلغ السيل الزبى، خصوصا أن وصول حزب الاتحاد الديمقراطي إلى مبتغاه يحمل في طياته أزمة أمن داخلي وأمن قومي طويلة الأمد لتركيا، ولهذا السبب لم تتوانى أنقرة عن الرد العنيف وضرب حزب الاتحاد الديمقراطي بيد من حديد، لكننا ما زلنا نجهل إلى اين ستقودنا هذه الطريق وما الذي سنحصده من هذا الخيار. وستكشف لنا الأيام القادمة عن إمكانية تنفيذ الوحدات الخاصة لهجمات الكر والفر أو عن إمكانية تدخل عسكري بري. أما روسيا فمن المؤكد أنها ستسكب الزيت على النار، فالطائرات الحربية الروسية وبقصفها لمدينة أعزاز عشوائيا ودون مراعاة المدنيين العزل تكون قد أوصلت هذه الرسالة.

التطورات الأخيرة ستضع الولايات المتحدة الأمريكية في موضع حرج جدا، لكن موقف الولايات المتحدة لن يملك التأثير اللازم لردع الصراع الدائر إضافة إلى أن الولايات المتحدة ومن خلال توصياتها "الثنائية" لكل من تركيا وحزب الاتحاد الديمقراطي تكون ضمنيا قد جددت دعهما للحزب. فلا يمكننا أن نتوقع أن يلاقي نداء الولايات المتحدة لحزب الاتحاد الديمقراطي "بضرورة الكف عن محاولة الاستيلاء على مناطق جديدة" وإلى تركيا "بوقف إطلاق النار" آذانا صاغية في الحزب. فالولايات المتحدة الأمريكية ومن خلال رفضها لاقتراحات إنشاء "منطقة أمنة" على طول خط جرابلس – أعزاز تكون فعليا فتحت الباب أمام التدخل الروسي في الحرب السورية من جهة، ومن جهة أخرى تكون قد سهلت ووافقت على استيلاء حزب الاتحاد الديمقراطي على مناطق جديدة من خلال تقديمها الدعم الذي لم توفره روسيا للحزب.

الحاصل ، كل القوى الفاعلة على الساحة السورية تحارب الآن ضد المعارضة المعتدلة، فكل هذه القوى بما فيها روسيا، ونظام الأسد، وحزب الله، والميليشيات الشيعية وإيران، وداعش وحزب الاتحاد الديمقراطي تحارب في سبيل الهيمنة على القرى والمدن التي تسيطر عليها قوى المعارضة، الولايات المتحدة بدورها تغض الطرف عن كل هذا أو تدعم تصفية المعارضة من خلال دعهما لحزب الاتحاد الديمقراطي.

تركيا ومن خلال ضربها لقوات حزب الاتحاد الديمقراطي تكون قد أضافت عنصرًا جديدًا إلى القوى في المعادلة السورية، هل سيستطيع هذا العنصر الجديد (تركيا) أن يحول دون سقوط مدينة أعزاز؟ وهل سيستطيع المحافظة على ممر مفتوح لمدينة حلب؟ وهل سيتمكن من دفع العجلة نحو حوارات جديدة في جنيف قبل سقوط فعلي لمدينة حلب؟

جواب هذه الأسئلة في علم الغيب ولكن الوضع الراهن وسير التطورات لا يظهر أي بوادر أيجابية. تركيا وبتدخلها وقصفها المدفعي لقوات الاتحاد الديمقراطي دون النظر إلى العواقب تكون قد وضعت الصراع مع الحزب على رأس سلم أولوياتها وكتبته في أول صفحات أجندتها السياسية.

بالتاكيد إن السبب الأساسي وراء هذا التدخل ليس التوقعات التركية بأن المستقبل السوري ستحدده  العمليات العسكرية أكثر من النقاشات السياسية وإنما لأن التدخل العسكري هو ما سيقرر مصير المناطق الجديدة التي سيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي.

فحزب الاتحاد الديمقراطي، ووحدات حمايات الشعب التي عقدت وعلى طول الفترة السابقة التحالفات والشراكات مع جميع الأطراف باستثناء تركيا قد أعلنت النفير واستنزفت طاقتها وستستمر في ذلك بغية تأمين "منطقة كردية مستقلة" وبالتالي فإن التوصيات بالبحث عن حل سياسي ولقاءات تفاهم لا معنى لها ولا تمثل حلًا عقلانيًا. فلا يمكن توقع التوصل إلى تفاهمات مع الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني الذي أنهى عملية المفاوضات وبدأ "بحرب شوارع" في مدن الجنوب الشرقي. على تركيا أن تباشر في البحث عن حل دبلوماسي للأزمة وفي ذات الوقت أن تواصل عملياتها الصارمة ضد الحزب ولكن دون الوقوع تحت تأثير تصورات "حرب عالمية" أو "حرب باردة".

هل تبقى من الاطراف على الطاولة السورية مَن لم يستخدم السلاح؟ الكل يجلس على طاولة المفاوضات بعد أن يكون قد أمن وحمى موضعه. الذين ينادون بالسلام ويدعون إلى الحوار مع حزب الاتحاد الديمقراطي هم في الحقيقة يدعون إلى الاستسلام لحزب العمال الكردستاني ولذراعه حزب الاتحاد الديمقراطي. لكن الوضع الراهن يظهر أن المناوشات بين تركيا و ذراع حزب العمال الكردستاني - حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا سيستمر ردها مع الزمن ولكن بشكل متذبذب بحيث نشهد فترات تصاعد وفترات انخفاض في مستوى التوتر والعمليات، فعلى سبيل المثال حصول اختلاف بين حزب الاتحاد الديمقراطي ونظام الأسد سيمنح الحكاية منحى آخر مختلف.

عن الكاتب

برهان الدين دوران

مدير مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" في أنقرة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس