جلال سلمي - خاص ترك برس

تواترت، في الآونة الأخيرة، عبارة ترددها وسائل الإعلام ويكررها المحللون السياسيون المعروفون بمعارضتهم الشديدة لأي تحرك تركي إنساني أو سياسي تجاه منطقة الشرق الأوسط، مفادها "إيران حققت نجاحًا باهرًا في سياستها الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط، بينما تركيا حققت فشلا ً ذريعا ً".

وفي إطار الإلتجاء إلى شهادة تركية للتعقيب على هذه العبارة، يقول الباحث السياسي "علي نور كوتلو" إن تركيا لم ولن تتطلع، إطلاقًا، لتحقيق نجاح على صعيد السياسة الخارجية، باتباع الوسائل "المكيافيلية"، أو بتعبير صريح الوسائل "غير الإنسانية" التي اتبعتها إيران التي تطلق على نفسها اسم "الجمهورية الإسلامية".

ويُشير كوتلو إلى أن الكثير يلوم تركيا ويصفها بالمثالية لعدم حذوها حذو إيران في سياستها الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط، مُضيفًا أن من يصف تركيا بذلك فهو لا يعي الأهداف الأساسية للسياسة الخارجية التركية، والتي تحمل روح السياسة التعاونية الاتحادية، وليس روح السياسة التوسعية وفرض السيطرة على الآخرين، وهذا ما يجعل تركيا تسعى دومًا إلى بناء سياستها الخارجية وخططها على أساس التعاون بين الحلفاء، وليس فرض السيطرة عليهم كإيران.

ويستطرد كوتلو في حديثه مبينًا أن إيران، اليوم، تفقد يوميًا عددًا من جنودها وقادتها العسكريين في سورية وإيران والعراق واليمن، ولا أحد يعلم العدد الحقيقي لقتلاها، ولم تفصح إيران إطلاقًا عن عددهم الحقيقي، وكما أن هذه الحروب استنزفت إيران على الصعيد العسكري، فإنها استنزفتها على الصعيد السياسي الاستراتيجي أيضًا، حيث أصبحت العدو الأول لمعظم دول الشرق الأوسط، وإن حازت على الفوز في الجولة الدائرة الآن، من المؤكد أنها ستخسر في الجولات القادمة، لأنها دخلت باب الشرق الأوسط بالدم والقتل والخراب، ولن ينسى ذلك من تعرض لضيمها وسينتقم منها ولو بعد حين.

ويبين كوتلو أن إيران تسببت في إحداث حرب مذهبية شرسة أودت بحياة الآلاف من المسلمين الأبرياء، متسائلًا هل إيران التي اتخذت من المسلم السني، وليس "اليهودي" أو "المسيحي" عدوًا لدودًا، ناجحة على صعيد سياستها الخارجية؟ هذا النجاح الركيك عمره أقصر من عمر ذكر العنكبوت بعد أن تنجب أنثاه.

واستنادا ً إلى التحليل القيم لكوتلو ضد ادعاء فشل تركيا على صعيد سياستها الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط، يمكن طرح التساؤلات التالية؛ هل كان يجب على تركيا أن تدخل في حروب مذهبية هوجاء تسحق الأبرياء ليُقال عنها ناجحة؟، لو دخلت تركيا الشرق الأوسط بالنار والدم والتدمير مثل إيران، هل ستتمكن من كسب التحالف السياسي الاستراتيجي مع الشعوب والدول بعد ذلك؟ هل خسارة تركيا للعشرات من جنودها في سبيل تحقيق سيطرة واهمة لا يمكن إحرازها إلا من خلال موافقة الدول العظمى تُعد نجاحًا على صعيد السياسة الخارجية؟ وظهرت بوادر فشل السياسة الإيرانية التوسعية، عقب معارضة الدول العظمى لتوسعها في سورية، من خلال إجراء اتفاق وقف إطلاق النار دون الأخذ بالاعتبار أيًا من المصالح الإيرانية، فإذًا، أين النجاح في ذلك، بعد تقديم كل هذه التضحيات؟

لا بد من الاعتراف بأن إيران بنت سياستها الخارجية على أساس مذهبي بامتياز، حيث رأت أن هناك 130 مليون شيعي يعيشون داخل بعض الدول الإسلامية، فحرضتهم على حمل السلاح واللحاق بدرب "ولاية الفقيه"، وبالتالي أشعلت نار الفتنة في المملكة العربية السعودية والبحرين واليمن وباكستان وأفغانستان والعراق وسورية وغيرهم، ولكن تركيا حاولت جاهدة منع حرب المذاهب، لتلافي الفتنة، ولم تُبَدّي مصالحها على مصالح المنطقة، لذلك لم تستخدم المذهب السني، كسلاح توسعي في المنطقة، بل استخدمت قوتها الناعمة في الدعوة إلى تأسيس الأنظمة الديمقراطية المستقلة عن أي قوة أجنبية أخرى.

وفي الخاتمة استشهد بتحليل الخبير الاستراتيجي التركي "بيرام سين كايا" الذي يتطرق إلى ذات السياق في دراسته الأكاديمية "تحول السياسة الخارجية الإيرانية بعد الثورة الإسلامية"، المنشورة عبر الموقع الإلكتروني لأكاديمية الدراسات السياسية "أكاديمية"، حيث يفيد الخبير بأن إيران لم تحرز نجاحًا عظيمًا في سياستها الخارجية كما يرّوج له البعض، بل إن هناك الكثير من العواقب الوخيمة التي ستلحق بها جراء سياستها الخارجية القائمة في وقتنا الحالي، إذ أن الكثير من الدول أصبحت تتربص بإيران وتترقب للثأر منها، بعد إثارتها للنزاعات المذهبية داخل هذه الدول، مبينًا أن تركيا لم تُثِر عداء أي من دول الشرق الأوسط، وهذا ما يؤكد أن سياسة تركيا التعاونية على المدى البعيد أنجع نوعًا ما من السياسة الإيرانية العدائية.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس