ترك برس

شهدت العلاقات التركية اليونانية خلال الأعوام الأخيرة وخاصة في الأونة الأخيرة تطوراً كبيراً، لا سيما عقب التنسيق المشترك بين الدولتين من أجل الوصول إلى حل ينهي أزمة اللاجئين السوريين المتدفقين من الأراضي التركية باتجاه اليونان ومنها إلى باقي دول القارة الأوروبية، الأمر الذي دفع بالبلدين للنظر إلى حل باقي المسائل العالقة بينهما مثل القضية القبرصية والخلافات القائمة بشأن المياه الإقليمية بين الجانبين.

واكتسبت هذه العلاقات زخماً أكبر، عقب وصول رئيس الوزراء اليوناني الحالي "ألكسيس تشيبراس"، إلى سدّة الحكم في أثينا، حيث بدأ الأخير باتباع سياسة أكثر مرونة، وازدادت لقاءات الطرفين بعد بدء تدفق اللاجئين السوريين عبر بحر إيجة نحو الأراضي اليونانية.

وعندما تسلم منصب رئاسة الوزراء للمرة الثانية في أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، بدأ تشيبراس أولى زياراته الخارجية من أنقرة، حيث رأت الأوساط السياسية هذه الخطوة، بمثابة رغبة حقيقية من تشيبراس للتقارب أكثر من تركيا وإقامة علاقات متينة معها.

وتأتي هذه التحليلات من قِبل الأوساط السياسية، عقب انتقاد تشيبراس لسياسات الدول الأوروبية تجاه اللاجئين، وإصراره على ضرورة التعاون والتنسيق مع أنقرة لحل الازمة الحاصلة، وتقاسم الأعباء مع القيادة التركية.

وفي إطار المساعي الرامية لحل أزمة اللاجئين السوريين التدفقين إلى الأراضي اليونانية، أجرى تشيبراس زيارتين إلى تركيا، في غضون 4 أشهر، حيث كانت الأولى في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، والتقى حينها بنظيرة التركي "أحمد داود أوغلو"، وشدد الاثنان على ضرورة طي صفحة الماضي والبدء بعلاقات جديدة، تتسم بالقوة والمتانة بين الجانبين.

وعقب هذه الزيارة، التقى النظيران مجدداً في القمة التركية الأوروبية التي جرت في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بالعاصمة البلجيكية بروكسل، حيث شدّد تشيبراس أمام القادة الأوروبيين على ضرورة مساندة تركيا فيما يخص أزمة اللاجئين والتعاون معها لحل هذه الأزمة وتقاسم أعبائها مع الحكومة التركية.

كما أوضح تشيبراس خلال جلسة القمة، أنّه من الممكن اتخاذ خطوات جادة وفعلية فيما يخص انضمام تركيا الكامل إلى عضوية الاتحاد الأوروبي،

وأجرى رئيس الوزراء اليوناني، زيارته الثانية إلى تركيا مطلع الشهر الجاري، وذلك بهدف المشاركة في القمة الرابعة للتعاون الاستراتيجي بين البلدين، والتي عقدت في ولاية إزمير الواقعة غربي تركيا، والمطلة على اليونان، حيث بعث برسائل قوية، خلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب القمة، ووعد بمواصلة تطوير العلاقات مع تركيا ورفع مستوى المحادثات لإزالة كافة الخلافات القائمة بين البلدين.

وفي نفس المؤتمر الصحفي أكّد رئيس الوزراء التركي داود أوغلو، أنّ السبيل الوحيد لحل الخلافات القائمة بين أنقرة وأثينا، هو الجلوس إلى طاولة الحوار والبدء بمحادثات جديّة، رافضاً في الوقت ذاته أنّ يكون الصراع سبيلاً لحل هذه الأزمات.

الخلاف حول المياه الإقليمية:

مما لا شك فيه أنّ نقاط الخلاف الرئيسية بين أنقرة وأثينا، تكمن في ثلاثة محاور أساسية، وهي المياه الإقليمية المختلف عليها منذ عام 1936، والقضية القبرصية، بالإضافة إلى المجال الجوي المتنازع عليه من قِبل الدولتين.

أما بالنسبة للمياه الإقليمية، فقد بدأ الخلاف حولها، عندما قامت اليونان في عام 1936، باتخاذ قرار أحادي الجانب، ورفعت بموجبه حدود مياهها الإقليمية في بحر إيجة، من 3 ميل إلى 6 أميال، حيث خالفت بذلك اتفاقية لوزان المبرمة عام 1923، والتي حُدّدت فيها مسافة 3 ميل كلا الطرفين.

وقامت تركيا في عام 1964 بخطوة مماثلة، جاءت رداً على القرار اليوناني المتخذ عام 1936، ورفعت مسافة مياهها الإقليمية إلى 6 أميال، وتفاقمت بعد ذلك الخلافات بين البلدين حول هذه المسألة، لتتقدم اليونان في عام 1982، بطلب إلى الأمم المتحدة، بخصوص رفع مسافة مياهها الإقليمية إلى 12 ميلاً، حيث اتخذ البرلمان اليوناني قراراً في عام 1995، رفعت بموجبه المسافة إلى 12 ميل، الأمر الذي اعتبرته أنقرة سبباً موجباً للحرب.

الخلاف حول المجال الجوي:

أصدرت الرئاسة اليونانية في عام 1931 قراراً، رفعت بموجبه مساحة مجالها الجوي من 3 ميل إلى 10 ميل، رغم أنّ القوانين الدولية تقول، بأنّ مساحة المجال الجوي للدول، تقاس بمسافة مياهها الإقليمية، وعلى اعتبار أنّ اتفاقية لوزان، حددت مسافة المياه الإقليمية لليونان بـ 3 ميل، فإنّ أثينا تعتبر مخالفة للاتفاقيات الدولية في هذا الخصوص، ومن هنا بدأ الخلاف التركي اليوناني حوب مساحة المجال الجوي.

الخلاف حول جزيرة قبرص:

تعدّ الازمة القبرصية من أعقد الأزمات بين الدولتين، وقد دخلت هذه القضية مرحلة معقدة لا سيما بعد رفض الشطر الرومي، في عام 2012، مقترحات المبعوث الأممي كوفي عنان الرامية لإنهاء النزاع بين الطرفين التركي واليوناني في الجزيرة.

وفي عام 2014، توصل زعيما شطري جزيرة قبرص، إلى اتفاق يقضي باستئناف المحادثات بينهما، وتطورت هذه المحادثات، مع استلام الرئيس الحالي لقبرص التركية "مصطفى أقنجي" زمام السلطة، حيث عقد عدّة لقاءات مع نظيره الرومي "نيكولاس أنستاسياديس" من أجل خل الخلاف القائم بينهما.

وتأتي أهمية إنهاء أزمة القضية القبرصية بين البلدين، كونها تقف حجرة عثرة أمام أنقرة في مفاوضاتها من أجل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فالجانب الرومي في جزيرة قبرص، تعيق فتح العديد من الفصول الهامة في المفاوضات بين تركيا والاتحاد الأوروبي.

جدير بالذكر أنّ العلاقات التركية اليونانية دخلت مرحلة الانفراج مطلع الألفية الثالثة، عندما أرسل رئيس الوزراء التركي السابق، ورئيس الجمهورية الحالي، رجب طيب أردوغان، رسالة إلى نظيره اليوناني "يورغو باباندريو" آنذاك، دعاه فيها إلى العمل المشترك، لإنهاء الخلافات القائمة بين البلدين، وتسريع العلاقات الثنائية في العديد من المجالات.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!