إبراهيم كيراس – صحيفة قرار - ترجمة وتحرير ترك برس

رأيت في يوم سابق على الصفحة الأولى لإحدى صحفنا التي كانت تشرح عن توجه أكبر من المنطقة العربية إلى التيارات السلفية – الرديكالية فيما يتعلق باعتداء داعش في بلجيكا، وفسرت هذا الوضع كمحصلة "لميراث أتاتورك العلماني".

وتعتمد هذه الرؤية... ابتداءً من عملية تحديث تركيا في عام 1923... على فرضية أن تغيير النظام فحسب أو بمعنى أدق تغيير اسم النظام باستطاعته تغيير بنية المجتمع بشكل كامل وعلى الفور. غير أن الجمهورية أدت إلى هزائم جدية في عدة مجالات حتى أن العناصر التي تظهر استمرارية في البنية الاجتماعية والثقافية ازدادت أكثر مرة أخرى.

نعم، هناك فرق بسيط بين البنية الاجتماعية التركية والبنى الاجتماعية لدول الشرق الأوسط. ولكن هذا الفرق كان موجودًا ما قبل الجمهورية أيضًا.

ويشير المؤرخ مصطفى أكدا إلى أن "هذا الفرق" عند ظهوره كان المحدد "لسنية الدولة" والمرجح للمدرسة بدلًا من الزاوية كدعامة للبنية الاجتماعية في مرحلة تأسيس النظام العثماني:

"... استطاع العثمانيون من خلال استمرار بناء الوحدة التركية، واكتساب الفقه وممثليه من فئة علماء المدرسة نفوذهم في المجتمع من جديد، إنقاذ المجتمع التركي الأناضولي من انقسام الجماعات العديدة المحيطة برؤساء شيوخ الطريقة، كما منع هذا النجاح السياسي المهم بقاء البنية الاجتماعية في تركيا بدائية على النحو الموجود في إيران والبلدان العربية".

حيث يربط شريف ماردين هذا الاختلاف بقوة الجهاز البيروقراطي وكونه تصفية للأرستقراطية، أما محمد جنتش فيربطه بتشكيل هذه الفئة نخبة صاحبة جدارة و"حافز ايدولوجي" مرتفع. فضلًا عن أن تقاليد دولة سلاجقة إيران تعد عاملًا مهمًا لوراثة العثمانيين مؤسسات البيزنطيين.

بالإضافة إلى شرح العقيدة الماتريدية- الحنفية بوصفه تقارب معروف آخر تبناه المثقفين الليبراليين اليمينين... وبناءً عليه فإنهم لا يتساهلون مع التيارات المتطرفة من أجل امتلاك مفهوم ديني يفسح المجال أمام إرادة الإنسان ومجال الأساس الفكري للأتراك.

وهو ما كشفته هذه الرؤية غير الصحيحة للعنف الذي حصل في باكستان في الأيام الماضية. وليس كما يعتقد البعض فإن الكيان المتربط بالتنظيم الذي استهدف عائلات المسيحيين الأبرياء المحتفلين بعيد الفصح أي "طالبان باكستان" لا يمتلك مفهومًا سلفيًا. وبخلاف منظمات مثل داعش والقاعدة وبوكو حرام أو الشباب هو كيان تبنى المفهوم الماتريدي – الحنفي. وعلى سبيل المثال فسروا تحطيم تماثيل بوذا باعتمادهم على فتاوى تنسب إلى الفقه الحنفي.

وعلى الرغم من اختلاف تفسير نسخة المذهب الحنفي الموجود في شبه القارة الهندية عن الموجود لدينا إلى حد ما ولكنهم في النهاية ليسوا أشخاصًا مرتبطين بالمفهوم الأشعري – الحنفي. أما رافضي الصوفية كالسلفيين فإنهم ليسوا موضع بحث. بل على العكس تماماً حيث ينتسب معظمهم إلى طرائق مختلفة. وعلى الرغم من وجود عرق سلفي محدود في باكستان وداخل حركة طالبان، ولكن هؤلاء بعيدين عن تشكيل سمة عقلية مميزة للكيان المشار إليه. وإن بدا هذا التنظيم الذي نفذ الاعتداء الوحشي يوم أمس مؤيدًا لفكرة "الجهاد العالمي" وضمن العالم السلفي بموجب ارتباطه مع القاعدة فإنه من الصعب القول إن هذا التنظيم وأمثاله نتاج مناخ العقلية السلفية.

وباختصار، يبدو من المعقول أكثر رؤية السلفية كنتيجة للحركات الإسلامية الراديكالية وليست سببًا لها. كما يقدم هذا التيار "لغة" للفئات الساعية إلى التعبير عن أحقادها وردات فعلها تجاه السلطة والمجتمع. وربما يمنحها أرضية شرعية. تمامًا كما فعلت الماركسية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.

ولكن لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن أي أحد ممن الموجودين داخل هذه الحركات السياسية الراديكالية لم يقم بتبني حاجة نظرية أو دينية يؤمن بها. كما أنهم يرغمون عالمهم الخاص عليها. لأنهم ليسوا ايدولوجيات أو دين يغزي الحركات السياسية الرديكالية. بل هم مشكلات اجتماعية وشخصية وجهها هؤلاء الأشخاص إلى هنا. وبناءاً على ذلك يدفع الأفراد ثمن مجتمعات لم تتمكن من إيجاد حلول لهذه المشكلات الشخصية، كما يقتل أحيانًا من لا صلة لهم بهذا الأمر على الإطلاق.

عن الكاتب

إبراهيم كيراس

كاتب في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس