محمد حامد - خاص ترك برس

لا يختلف الإعلام العربي كثيرا عن الإعلام الإسرائيلي في تبني النموذج الاختزالي في تحليل وتفسير الظواهر التاريخية والسياسية. وعند صياغة النموذج الاختزالي أو التبسيطي، كما يسميه الدكتور عبد الوهاب المسيري، تُنزَع الوقائع والتفاصيل من سياقها التاريخي والإنساني، وعن كل أو معظم الحقائق الأخرى، ثم يأتي بعد ذلك فرض أي اتجاه على هذه الحقائق فتتحول إلى مؤشر دقيق ودليل مادي قاطع على صدق الأطروحة أو الفرضية الأولية.

ومن أبرز الأمثلة التي يسوقها الدكتور المسيري على النموذج الاختزالي أنه حينما يظهر مجرم يهودي، يعد هذا  تعبيرا عن الإجرام المتأصل في الطبيعة اليهودية، ولا يشار إلى عتاة المجرمين الآخرين من غير اليهود. وحينما تُكتَشف عصابة مخدرات ودعارة في كاليفورنيا يديرها مهاجرون سوفييت أو يُعلَن عن وجود مافيا من اليهود السوفييت والإسرائيليين، فإن هذه الواقعة تعد مؤشرا في رأي أعداء اليهود على انحلال الشخصية اليهودية. ولا يرد في سياق هذا التحليل أي شيء عن معدلات الجريمة في كاليفورنيا، ولا نسبة اشتراك الجماعات المهاجرة الأخرى فيها، ولا نسبة اشتراك المهاجرين السوفييت، ولا نسبة اشتراك اليهود الأمريكيين.

وبالمثل لا يختلف تعامل الإعلام الإسرائيل، الموجه من قبل المؤسسة السياسية والأمنية، مع كل ما يتعلق بالعرب والمسلمين . فثمة نظرة أحادية مسبقة  تنطلق من أن المسلمين والعرب جميعا مشروع إرهابيين مستقبليين، ويكفي  الاتيان بعميلة إرهابية نفذها مسلم للتدليل على هذه الأطروحة. لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فمن يخرج على هذه الرؤية يتعرض للنقد والنبذ داخل المجتمع الإسرائيلي.
في الأسبوع الماضي وخلال ندوة للتليفزيون الإسرائيلي عن" أسلمة أوربا والتفجيرات الإرهابية الأخيرة، خرج صوت يشز عن المعزوفة التي لعب عليها المشاركون في الندوة من محللي الشؤون العربية، وجاء هذه المرة على لسان المذيعة دانا فايس.

فايس قالت بوضوح إن وضع الإسلام في مواجهة الغرب نموذج فكري غير صائب، وأنه يجب تقسيم العالم إلى معتدلين يحبون الحياة ، ومتطرفين الغاية لديهم تبرر الوسيلة، وهذا ليس موجودا في الإسلام فحسب بل في كل الديانات، في اليهودية والمسيحي. لكن حديث فايس لم يعجب إيهود يعاري المحلل المعروف في القناة الثانية، فانبرى لمقاطعة فايس، واتهمها بأنها تجهل هذه القضية لأنها غير متخصصة، وعليها أن تدرسها بعمق أكثر، فردت عليه فايس بأنها قرأت هذا الموضوع جيدا. وعندما انتهى الجدال بينهما وبعيدا عن الميكروفون توجه إليها يعاري قائلا لقد صرت "ياخنيه". "ياخنيه" كلمة ييديشية تعني في تراث يهود أوربا امرأة ثرثارة لا تفهم وتتدخل فيما لا تعرفه أو تفهم فيه.

واقعة "الياخنيه" نظر إليها كثيرون في إسرائيل من وجهة نظر نسوية بحتة، ورأوا في مقاطعة إيهود يعاري لحديث فايس وتضييقه على حريتها في التعبير عن رأيها ليست سوى مجرد مثال على الطريقة التي يتعامل بها المحللون القدامى مع النساء، ويرون أنهن تجاوزن حدودهن عندما تجرأن وتحدثن عن قضايا أمنية هي حكر على الرجال فقط. وعندما استخدم كلمة ياخنيه، وهي صفة لامرأة ثرثارة، فإنما كان يهدف إلى استعادة النظام القديم الذي ينبغي للنساء فيه أن يصمتن ولا يتحدثن، وإذا فعلن ذلك، ينظر إلى كلامهن على أنه ثرثرة فارغة.

لكن هذه الواقعة تتجاوز بكثير قضية سيطرة الصوت الذكوري على الإعلام أو وضع المرأة في المجتمع الإسرائيلي. وقعت المذيعة الإسرائيلية في الخطأ لا لأنها تجرأت وأقحمت نفسها في موضوع ذكوري لا تفهم فيه النساء، ولكن لأنها اعترضت على المنظور والتصور الصهيوني المتأصل الذي يغذيه محللو الشؤون العربية من أمثال يعاري بأن الإسلام هو دين الإرهاب، وأن تقسيم العالم على أساس أن المسلمين جميعا قتلة في مواجهة الغرب المتنور تقسيم غير صحيح، ولكن ينبغي أن يكون التقسيم بين العالم المتنور وبين القتلة بغض النظر عن ديانتهم.

لا يختلف إيهود يعاري عن غيره من محللي الشؤون العربية والإسلامية في الإعلام الإسرائيلي، فهم على حد وصف أحد الصحافيين الإسرائيليين، مجرد نكتة حزينة، يعملون بشكل أو بآخر لحساب المؤسسة الأمنية، ويروجون لما تريده منهم، يرصدون ما يقال ويكتب في الإعلام العربي، ثم ينتقون منه ما يتماشى مع أطروحاتهم المسبقة ليكون دليلا على صحة نظرياتهم. يكفى أن يجتزأ مقطع فيديو لأحد قادة داعش وهو يتوعد الأوروبيين بالقتل، لكي يثبت لك بالصوت والصورة أن هذا هو الإسلام.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس