كمال أوزترك – صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس

نشهد في مقالات وتحليلات قسم من الكتاب والمثقفين والسياسيين والصحفيين أخطاء مريعة وكارثية والسبب في ذلك أن هؤلاء لم يدرسوا أو يفهموا حتى الآن علم الاجتماع الحديث.

ففي دولة مثل تركيا يتميز فيها علم الاجتماع بالحيوية والتغيير والإنتاجية نشهد تغيرا مستمرا وسريعا في كل شيء ونشهد كذلك سرعة تكيف الدولة غير المتوقعة مع هذه التغيرات المستمرة. ولهذا السبب ولعدم إدراكهم لهذا التغير نراهم يكيلون الأخطاء في تحليلاتهم ومقالاتهم.

أقدم لكم أعزائي بعض الأمثلة على علم المجتمع الحديث.

المركز السياسي/ حزب العدالة والتنمية

محاولات تهميش "الإسلاميين، المتدينين" قد أعلنت إفلاسها. فحزب العدالة والتنمية أصبح حزب الوسط التركي والعمود الفقري للدولة. استوطن الحزب في مركز السوسيولوجيا (علم المجتمع) والسياسة، ولا بد من إعادة تعريف اليسار التركي واليمين التركي بناء على موقع حزب العدالة والتنمية في مركز السياسة التركية. لقد حول حزب العدالة والتنمية كلا من حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية وحزب الشعوب الديموقراطي إلى أحزاب محيطة بالمركز، فكل من حزب الحركة القومية، حزب السعادة، حزب الاتحاد الكبير واليمين التقليدي وغيره من الأطراف المحافظة الناشطة في السياسة ستدخل وتندمج في بوتقة حزب العدالة والتنمية وتتحد في بُنيانه.

مصطلح "حزب الدولة" كذلك تغير، ليحل مكانه مصطلح "الحزب الراعي للدولة وللشعب"، فبدون حزب العدالة والتنمية لا يتوقع كون أي سلطة في تركيا بدون حزب العدالة والتنمية ولا يتوقع كذلك استقرار الموازين في البلد، فيما لو تم إسقاط حزب العدالة والتنمية أو طيب أردوغان من السلطة فعندها سيصاب النظام بالشلل لعدم توفر البديل.

اليسار السياسي/ حزب الشعب الجمهوري

لم يعد حزب الشعب الجمهوري حزب الديمقراطية والحرية المساند للتغير والتجديد، كما أن "الحزب المؤسس للجمهورية" لم يعد بكل تأكيد "حزب البيروقراطية وحزب الدولة"، فمذهب حزب الشعب الجمهوري قد انزلق تحت تأثير كل من الأكراد الراديكاليين/ الأتراك اليساريين والتنظيم الموازي (جماعة غولن) وقوى غير معروفة، وابتعد عن كونه حزبا محليا لتؤول أحواله للوقوف ودعم الطرف الآخر بدلا من دعم الدولة والوطن خلال أي أزمة تمر بها تركيا.

وأصبح مثالا على السياسة الراديكالية اليسارية التي بدورها أضحت داعمة للتدخلات الاجنبية الاستبدادية في الوطن ومتألفة مع التيار الذي تقوده التنظيمات غير القانونية.

السياسة الكردية/ حزب الشعوب الديمقراطي

هذا الحزب الذي يمثل خدعة كبيرة هو في الحقيقة ليس "حزبا تركيا"، وبلا شك هو لا يهتم بالمسألة الكردية وأجنداته تحمل أهدافا أخرى وبكل تأكيد لم يعد حزبا محليا. فهذا الحزب قد انحاز ايديولوجيا إلى اليسار المتطرف. ولا يخرج عن أقوال وأوامر حزب العمال الكردستاني المتهم بارتكاب الجرائم ولا يملك حقيقة قابلية الخروج على حزب العمال ولو أراد ذلك.

هذا الحزب يديره ويوجهه ويستغله كذلك مزيج معقد من الزوائد اليسارية المتحدة والمتداخلة مع اليسار التركي، ولهذا السبب لا يمكن القول ان حزب الشعوب الديموقراطي يندرج تحت عنوان "يجب أن يكون هناك تمثيل سياسي للأكراد في البرلمان" أو بمعنى آخر حزب الشعوب الديمقراطي ليس ممثلا للأكراد إطلاقا ولهذا السبب سنشهد قريبا ولادة حزب وتيارجديد.

الأكراد

لا وجود لأكراد "أعداء" للدولة أو "قاتلين" لقوات الحرس الوطني. ولا وجود كذلك للأكراد الذين يدعون أن الأتراك "مستعمرون" كما أنه لا وجود للأكراد المفتونين بالغرب "الإمبريالي" فيما بيننا الآن لأنهم مشغولون في خيمهم الاعتصماية مع باقي أعضاء حزب العمال الكردستاني في بروكسل. فالأكراد الذين يرغبون بالانفصال والذين يضربون تحية احترام لحزب العمال الكردستاني والذين يطالبون بحكم ذاتي أقل عددا من أصابع صلاح الدين دميرطاش.

وإنما نجد اليوم الأكراد الذين تغيرت مفاهيمهم عن "الدولة، والعسكر، والشرطة، والحكومة" والذين لا يهربون هرعا من العسكر وإنما يلجؤون إليه هربا من ظلم حزب العمال الكردستاني. نجد أكرادا نادمين على دعم حزب العمال الكردستاني وحزب الشعوب الديمقراطي في الماضي وهم مستعدون للتكفير عن خطأهم.

حزب العمال الكردستاني

تنظيم لا يملك أي أهداف سياسية. لا يحارب من أجل الأكراد وإنما من أجل ايديولجية بلشفية ستالينية عفا عليها الزمن. لم يترك تأثيره على الشعب الكردي من خلال الايديولوجية والتعاطف والانتماء وإنما من خلال العنف.

الحزب لا يمثل جزءًا من المسألة الكردية وإنما هو منظمة جنائية إجرامية. يشارك في تهريب المخدرات والبشر وتجارة البترول والسلاح المهرب ويوفر القتلة المأجورين. آخر المهمام التي أُنيطت به حسب تصريحات جميل بايكال هو الإطاحة بسلطة أردوغان وحزب العدالة والتنمية. وهذه هي النقطة التي توقفت عندها قوى المحللين لتحديد مكان حزب العمال الكردستاني من المعادلة في أثناء سعيهم لمراجعة وحل المسالة الكردية.

اليسار الليبرالي

لم يعودوا أكثر فئات المجتمع تحرر أو سعيا للسلام والديمقراطية. فلقد خرج من كل واحد منهم "ستالين بدون شوارب"، ولقد تحولوا في أثناء سعيهم للانقلاب على سلطة حزب العدالة والتنمية إلى بلشفيين صغار يسجدون ويعبدون قضبان الحديد التي تمارس العنف. لقد اتضح اللون الحقيقي لليبراليين في أثناء أحداث غيزي بارك والأزمة السورية وحزب العمال الكردستاني والتنظيم الموازي. ولقد ظهر وجههم الحقيقي وظهرت معالم وجه اليساريين الثورين المتبقية من مراحل قديمة جدا. ولهذا عندما يتحدث "الليبراليون" اليساريون تخال نفسك تستمع لحديث مسؤول "الثوريين" اليساريين في الجامعة.

الأمة أو القوم

لا اأقصد بذلك مصطلح "القوم" كما هو متعارف عليه في فترة "الرئيس القومي" المرتكزة على الهوية العرقية التركية، فهذا المصطلح عاد اليوم إلى معناه كما عرفه المؤسسون الأوائل للخلافة العثمانية في زمن لم يكن يخطر على بال أحدهم أن يعلي فيه من شأن القومية التركية على حساب التقليل من شأن الأكراد والعرب والبوشناق وغيرها من القوميات والأعراق. فمصطلح القوم أضحى يكتسب مع الزمن خاصية التجميع وأصبح  أكثر محلية وأكثر اتساعا وانفراجا. نتائج هذا التغيير ستصبح على درجة عالية من الأهمية في المستقبل القريب.

في الحقيقة هناك الكثير من الأمور الأخرى التي تغيرت في علم الاجتماع لكن متسعنا للكتابة قد انتهى وسنناقش تلك المستجدات والمتغيرات في زمن لاحق.

عن الكاتب

كمال أوزتورك

إعلامي صحفي تركي - مخرج إخباري وكاتب - مخرج أفلام وثائقية - مدير عام وكالة الأناضول للأنباء سابقًا


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس