ترك برس

انضمت الدولة العثمانية إلى دول المحور في الحرب العالمية الأولى، بتاريخ 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1914، بقرار من وزير الدفاع "أنور باشا" وعلى غير علم من رئيس الحكومة آنذاك "سعيد حليم" ووزير الداخلية "أنور باشا".

وذكر مؤرخون أن مفاوضات سرية مكثفة سبقت دخول الدولة العثمانية للحرب، هذه المفاوضات شملت الدولة العثمانية ودول الحلفاء تارة والدولة العثمانية ودول المحور تارة أخرى.

ولتسليط الضوء بشكل تفصيلي أكبر على سيرورة المفاوضات، ننقل مختصر الدراسة الأكاديمية التي قام بها الدكتور المساعد "غولتكين يلديز"، أستاذ التاريخ في جامعة إسطنبول، الذي تناول المسألة في دراسة أكاديمية تحت عنوان "المفاوضات السرية التي أسهمت في إدخال الدولة العثمانية للحرب العالمية الأولى" المنشورة في مجلة "دارين تاريخ" (التاريخ العميق) في العدد 19 الصادر في آب/ أغسطس 2014.

يستهل يلديز دراسته بالإشارة إلى أن الحرب العالمية الأولى بدأت في 28 تموز/ يوليو 1914، وذلك عشية إعلان إمبراطورية المجر والنمسا الحرب على صربيا، مبيّنًا أن انضمام الدولة العثمانية إلى الحرب لم يتأخر طويلًا، إذ تم في 19 نوفمبر 1914، أي بعد ثلاث شهور من بدء الحرب.

ويشير يلديز إلى أن هذه الشهور الثلاثة شهدت أيامًا وليالي طويلة من عمليات التفاوض الدبلوماسية السرية التي ستحدد مصير الدولة العثمانية فيما بعد، مبينًا أن السلطان "محمد رشاد" والحكومة العثمانية حينذاك رأت أن الحفاظ على بقاء الدولة العثمانية التي تعاني من حالة ضعف شديدة وعزلة دبلوماسية مريرة لا يمكن أن يتم إلا من خلال دخول الحرب إلى جانب أحد الاتفاقين الموجودين.

ويُؤكّد يلديز أن السلطان محمد رشاد اعتلى العرش عام 1909 بعد عزل أخيه الأكبر عبد الحميد الثاني عن الحكم، منوّهًا إلى أن السلطان محمد رشاد كان ضعيفًا جدًا مقارنة بالسلطان عبد الحميد الثاني الذي حكم الدولة العثمانية بإرادة قوية أخضعت جميع أضلع الدولة له، ولكن محمد رشاد لم يتمكن من بسط سيطرته على أذرع الدولة وكان يجلس في قصر دولما باهجا لا يقوم إلا بختم الأوراق والوثائق وتصديقها، وهذا ما جعل بعض ساسة عصره يطلقون عليه لقب "كاتب العدل".

ويوضح يلديز أن الانقلاب العسكري الذي قام به رواد حزب الاتحاد والترقي في 23 حزيران/ يونيو 1913،  لعزل رئيس الوزراء ووزير الدفاع، كُلل بنجاح ونقل كافة مقاليد الحكم إلى حزب الاتحاد والترقي وأتباعه، مبينًا أن العقل المدبر للانقلاب كان أنور باشا الذي أصبح بعد الانقلاب وزيرًا للدفاع، وطلعت باشا الذي أصبح وزيرًا للداخلية، وخليل باشا الذي أصبح رئيسا ً للبرلمان "مجلس المبعوثان" ، وظهر إبان هذا الانقلاب جمال باشا الذي أصبح وزيرًا للبحرية.

وينوه يلديز إلى أن سعيد حليم باشا هو الذي تولى رئاسة الوزراء بعد الانقلاب المذكور، ولكنه كان مجرد واجهة رمزية حاله حال السلطان محمد رشاد، إذ كانت مقاليد الحكم بأيدي الثلاثي أنور باشا، وطلعت باشا، وجمال باشا.

ووفقًا ليلديز، فإن هذا الثلاثي بدأ لقاءته السرية مع الدول الأوروبية في منتصف يوليو 1914، وكان الهدف من هذه اللقاءات هو إيجاد حليف استراتيجي يحافظ على بقاء الدولة العثمانية في ظل التكالب عليها وعلى الأقاليم التابعة لها، وإن كانت موافقة السلطان محمد رشاد على ذلك موافقة رمزية، إلا أنه وافق على هذه اللقاءات التي كانت تخفى على كثير من رجال الدولة رفيعي المستوى وغيرهم.

وحسب يلديز، فإن الثلاثي وحكومته الرمزية التقى بكافة الدول الأوروبية، إلا أنها تجنبت لقاء ألمانيا في البداية، وكانت بريطانيا أو فرنسا أو حلف البلقان المكون من اليونان وبلغاريا ورومانيا، تلك الدول التي كانت في حالة حرب شرسة مع الدولة العثمانية قبل أقل من عام، هي الدول التي وقعت بحسبان حكومة الاتحاد والترقي لتأسيس تحالف استراتيجي.

ويلمح يلديز إلى أنه على الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلها الثلاثي إلا أنه لم الباب الفرنسي والبريطاني وحتى البلقاني لم يفتح لها، وحتى ألمانيا التي تحالفت مع الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى لم تكن لديها نية جادة في التحالف مع الدولة العثمانية آنذاك، وتعود علة ذلك إلى خشية الدول المذكورة من إغضاب الإمبراطورية الروسية وبالتالي الدخول معها في حرب هم في غنى عنها، وكما أن الهزائم المتتالية التي كُبدت بها الدولة العثمانية على عددٍ من الجبهات، خاصة جبهة البلقان، جعلت الدول الأوروبية تتجنب مع الدولة العثمانية التي ستشكل لهم الخسائر أكثر من المكاسب.

ويذهب يلديز إلى أن الجنرال الألماني "فون ساندرس" الذي كان ضمن هيئة استشارية عسكرية ألمانية في إسطنبول، والسفير الألماني "فون وانغاهيم" ووزير خارجية الملك الألماني "جاغو" كانوا ينظرون إلى الأمر بإيجابية عالية، وهذا ما أبدأ مفاوضات التحالف السرية بين الدولة العثمانية والإمبراطورية الألمانية، لا سيما في ظل انقطاع الفرص الأخرى أمام حكومة حزب الاتحاد والترقي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!