مصطفى القاسم - خاص ترك برس

اليوم وبينما يبدو الوضع في مصر أشدّ غموضا من مدينة مكتظة تغطيها رياح الخماسين حاملة كل ما في الصحراء الكبرى من رمال، وفي هذه الساعة التي يفقد فيها السيسي توازنه بشكل كبير، وبينما تتهاوى أسهمه الأخيرة داخليا وخارجيا، وفيما تشتدّ الهجمات عليه من كل حدب وصوب، فخصومه يهاجمون وموالوه يتناقصون، والداخل يميد به والخارج يهوي عليه... في هذه اللحظات لم يعد التساؤل المطروح: هل يسقط السيسي أم يستمر في الحكم؟ لقد أصبح السؤال: في أي لحظة سيهوي؟ ويليه سؤال آخر: من سيكون صاحب الضربة القاضية؟

البعض سيبادر إلى الإجابة على السؤال الأخير: الجيش. فالجيش هو القوة البشرية المسيطرة في مصر، وهو الأكثر تنظيما وانضباطا والتزاما بالأوامر والتعليمات، وهو القادر على إدارة العملية وبسط السيطرة وتغطيتها إعلاميا ووطنيا... لذلك سيكون الجيش صاحب الضربة القاضية. ولا ننسى بأن قادة الجيش المصري يملكون أقنية اتصال خارجية تساعدهم في فعل ذلك عندما تأتي ساعة الصفر، وقد تأتي ساعة الصفر عبر تلك الأقنية، ويأتي معها التأييد والدعم، وقد تتضمن أمر التصفية أيضًا.

ولذلك وفي تطوّر لافت نجد السيسي قد عمل ويعمل على التمكين لأجهزته الأمنية، وهو يقوم بتقوية جهاز الاستخبارات العسكرية الذي كان قد سبق له تولي رئاسته في مواجهة القيادة العسكرية التقليدية، وقد سبق له أن قام بمنح قوى الأمن الداخلي كل الصلاحيات، وجعل وزير داخليته هامان مصر، بحيث باتت يد الداخلية طليقة اليد من كل قيد تعتقل وتعذّب وتقتل حتى، ولا فرق لديها إن كان القتيل مواطنا أم شخصا أجنبيا.

أمّا القوة الثالثة، والتي كان يفترض بداهة أنها القوة الأولى، فهي الشعب. أجل يأتي الشعب في المرتبة الثالثة حاليا، وأسباب ذلك عديدة، فالشعب الذي خاض ثورته ضدّ حسني مبارك يجد اليوم نفسه مفككا ومحكوما من فريق حسني مبارك! هذا عامل محبط ولا شك. ثم ان الشعب تعرّض خلال السنوات الأربعة الماضية للكثير من الانقسامات بين قوى متصارعة لم تحترم الكثير من قياداتها مصلحة الشعب، وإنما حاولت تقسيم الشعب بما يخدم مصالحها الشخصية. يضاف إلى ذلك أن بضعة عقود من حكم العسكر في مصر كانت كفيلة بإضعاف الوعي العام والانحدار به إلى مستوى لا يتوافق مع المستوى المعهود للشعب المصري الحر.

القوة الرابعة الاصطناعية بعض الشيء هي قوة الإعلام، والاعلام المصري يفوق الشعب كثيرا في درجة انقسامه، بل هو مشجّع أساسي على الانقسام الشعبي وتوزيع الأوسمة والاتهامات ما بين محبين للسيسي وإخوان و(ألتراسات) ومشجعين ومناوئين وصالحين و(بلاطجة) ومجرمين. كما أن الإعلام يمثل في بعض شرائحه ولا سيّما الموالية للسيسي حالة من الانحطاط الفكري والأخلاقي تدفع بعض الإعلاميين إلى تشجيع وتبييض كل موبقة من النظام ولو ذهب ضحيتها الألوف من المواطنين.

لذلك وفي ضوء هذه التقسيمات ما الذي سيكون عليه الحال في مصر في حالة الإطاحة بالسيسي؟

لأول وهلة يخيل إلينا أن مصر ستؤول إلى أحد حالين: إما سيطرة الجيش على الحكم وإطاحته بقيادات الأجهزة الأمنية والداخلية تبعا للإطاحة بالسيسي، وإمّا الفوضى!

ولكن الفوضى في مصر خطرة جدا وستجعل من مصر حالة انفجارية غير قابلة للضبط، وهذا يمثل خطرا شديدا على جيران مصر جميعا، بما فيهم إسرائيل. وإن أشد العقول تآمرا وفوضوية قد لا يكون لها مصلحة بالوصول إلى هذه الحالة.

كما أن سيطرة العسكر بشكل واضح للعيان على مصر باتت أمرا محل شكّ، فالتجربة أثبتت أن ذلك يمكن أن يكون سببا في قيام ثورة شعبية حقيقية، ووصول الأمور إلى طريق مسدود.

لكن احتمالية عدم تمكن العسكر من السيطرة على مصر والوصول إلى مرحلة الفوضى والانفلات تدعو الجهات المتنفذة، سواء كانت محلية أو خارجية، إلى البحث عن حلّ.

لا شك أن الحل الأمثل لضبط الأوضاع هي إعادة الشرعية إلى مصر، ولا شك أن إعادة الشرعية تعني إعادة الرئيس المنتخب محمد مرسي، ولو مؤقتا طالما أن مدة ولايته انقضى معظمها بينما هو في سجنه، وذلك تمهيدا لانتقال هادئ إلى مرحلة جديدة، سيما وأن بعض خصوم الاخوان أدركوا أن البديل كان كارثيا... وهنا يغدو مرسي الضمانة الأكبر لانتقال هادئ للسلطة في حالة التخلي عن السيسي، ومن هنا ينبع الخطر على مرسي!

أجل فبشار الأسد الذي أصبح سابقة تدرّس كرّس قاعدة: (إما الأسد وإما أن تحرق البلد). ورغم أن سورية قد حرقت فلا زال الأسد موجوداً. إذا ما الذي يمنع السيسي من الاقتداء بالأسد؟ وإذا اقتدى به فأول سؤال سيسأله: ما الذي قد يشجع الانقلاب عليَّ؟ ما يشجع الانقلاب عليه عمليا وجود الحل، وجود الرئيس الشرعي وإمكانية إعادته في أي لحظة... ومن هنا يأتي الخطر على مرسي. فهل يسمح لشخص آخر غير متوازن أن يجرّ مصر إلى ما سبقتها إليه سورية؟

حمى الله المصريين وحفظ لهم مصر.

عن الكاتب

مصطفى القاسم

محامي وكاتب سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس