
ترك برس
حازت الجمهورية التركية استقلالها السياسي الفعلي في اتفاقية لوزان بتاريخ 24 تموز/ يوليو 1923، التي سميت باسم المدينة التي وقعت فيها، والتي على إثرها اعترفت مجموعة من الدول بحكومة ومجلس أنقرة، وهي بريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، واليابان، واليونان، ورومانيا، وبلغاريا، والبرتغال، وبلجيكا، ويوغسلافيا.
وعلى الرغم من مرور أكثر من تسعين عاما على توقيع الاتفاقية، إلا أنه في الآونة الاخيرة ظهرت مجموعة من الخبراء السياسيين والمؤرخين الأتراك الذين وجهوا انتقادات إليها بامتلائها بالأخطاء الدبلوماسية التي كلفت تركيا الكثير حتى وقتنا الحالي.
وقد حاول المؤرخ السياسي التركي المخضرم "أحمد أنابالي" تتبّع الأخطاء الدبلوماسية التي تشوب اتفاقية لوزان، في دراسة له بعنوان "سلسلة الأخطاء في اتفاقية لوزان"، نُشرت في مجلة "دارين تاريخ" (التاريخ العميق). حيث أشار إلى أن المؤرخين السياسيين يشبهون اتفاقية لوزان باتفاقية كامب ديفيد، فما تم اكتسابه في الميدان العسكري تمت خسارته في ميدان المفاوضات، أما البعض الآخر فيطلقون عليها اتفاقية النصر الدبلوماسي التركي على الساحة العالمية، موضحًا أنه شخصيًا يوافق رؤية الطرف الأول فيما يتعلق بتقييم المسار الدبلوماسي والنتائج الخاصة بالاتفاقية. ومن بين الأخطاء التي اعترت الاتفاقية:
ـ عدم اختيار مكان الاتفاقية من قبل تركيا: اقترحت تركيا على الدول الكُبرى توقيع الاتفاقية في مدينة إزمير، لما تمثل من رمزية هامة، حيث كانت الدولة العثمانية أو التركية الأخيرة التي تم تحريرها من قبل المحتل اليوناني، ولكن هذا الاقتراح قوبل بالرفض الشديد، إذ بيّن المبعوث البريطاني الأعلى في إسطنبول "رومبولد"، في رسالة مكتوبة لحكومة أنقرة، ما زالت موجودة في الأرشيف العثماني، أن "توقيع هذه الاتفاقية في مدينة إزمير، يعني أن تركيا حققت انتصارًا عظيمًا على كافة الدول التي كانت موجودة على أراضي الدولة العثمانية بما فيها بريطانيا، وهذا الأمر الذي لا يمكن لحكومة جلالة الملك القبول به". وعلى هذا الأساس اضطر الأتراك للقبول بمدينة لوزان التي حددها الإنجليز الذين لم يرغبوا بإقامة المؤتمر في إزمير، حتى لا يتولى الطرف التركي رئاسته، حيث من شأن ذلك أن يظهر تركيا وكأنها دولة منتصرة. كان من الممكن الإصرار على ذلك، فتركيا كانت منتصرة عسكريًا على اليونان وأثبتت تفوقها العسكري على الجنود الفرنسيين في إقليم الجنوب الشرقي، ولكن جهل الدبلوماسيين الأتراك بذلك حال دون تتويج تركيا انتصارها العسكري بانتصار دبلوماسي.
ـ إخفاق الهيئة التركية في فرض خريطة الميثاق الوطني التي تم الاتفاق عليها داخل البرلمان التركي في أنقرة. فعلى الرغم من تأكيد قائد حرب التحرير مصطفى كمال على الهيئة إبداء الثبات الشديد في قضية حدود خريطة الميثاق الوطني، وعدم التخلي عن شبر واحد، إلا أن الهيئة أخفقت في ذلك وضحّت بكثير من المدن الموجودة داخل إطار خريطة الميثاق، مثل مدينة سالونيك والسليمانية وغيرهما.
ـ حظر التحدث باللغة التركية خلال الاجتماع: على الرغم من أن تركيا ذهبت إلى الاتفاق منتصرة، إلا أن الغطرسة الغربية أظهرت سيطرتها الدبلوماسية على الهيئة التركية، حيث منعت التحدث باللغة التركية وحظرت إعداد الاتفاقية الخاصة باستقلال تركيا باللغة التركية. هذه "فضيحة" دبلوماسية، كان يمكن تجنبها بالانسحاب من الاجتماع الذي كانت أطرافه تحاول إحلال السلام بين تركيا المنتصرة واليونان المهزومة.
ـ عدم إشراك الخبراء في عمل الهيئة الدبلوماسية: قد يكون المصدر الأساسي للأخطاء المذكورة أعلاه، هو عدم إشراك خبراء سياسيين واقتصاديين ومؤرخين إلخ بالهيئة، حيث كانت الهيئة تضم ضباطا عسكريين لا يفقهون إلا لغة الحرب، ولم يكونوا على مستوى كاف من فهم اللغة الدبلوماسية للتعامل مع الدول الأخرى.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!