ترك برس

قال الكاتب والمحلل السياسي سامر إلياس، المتخصص في الشؤون الروسية، إن روسيا قد تضطر إلى التنسيق مع تركيا، على مبدأ "أهون الشرين"، من أجل التوصل إلى حل يعيد تجميد النزاع بين أذربيجان وأرمينيا، ويمنع بروز حرائق جديدة في القوقاز وجنوب روسيا.

جاء ذلك في مقال له نشر على "الجزيرة نت"، تحت عنوان "ناغورنو كرباخ واختبار حدود القوة والبراغماتية الروسية"، أوضح فيه استئناف القتال على نطاق واسع في منطقة ناغورنو كرباخ يوجه ضربة قوية للمنظومة السياسية والأمنية والاقتصادية التي سعت روسيا إلى هندستها في منطقة ما وراء القوقاز وآسيا الوسطى وحوض بحر قزوين منذ انهيار الاتحاد السوفيتي قبل نحو ربع قرن.

وأشار إلياس إلى أن "حساسية الموقف الروسي تكمن في أن عدم مساعدة أذربيجان يمكن أن تقربها أكثر من تركيا، التي أكدت في أكثر من تصريح أنها تدعم مطالب باكو بتحرير أراضيها وترغب في أن تنتصر على يريفان"، وأن "باكو قد تزيد تنسيقها مع واشنطن وبروكسل وخاصة في قضايا نقل الغاز والنفط من حوض بحر قزوين إلى أوروبا من دون المرور بروسيا، مما يشكل ضربة لدبلوماسية الطاقة الروسية التي عمل عليها الكرملين منذ صعود فلاديمير بوتين".

ولفت إلياس إلى أن موسكو لا ترغب في خسارة نفوذها شبه المطلق على يريفان المعتمدة عليها اقتصاديا وعسكريا، ودفعها إلى أحضان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، خاصة أنها تقع على مفترق طرق نقل الطاقة من آسيا الوسطى وبحر قزوين، وفي خاصرتها الرخوة في القوقاز، فخسارة أرمينيا بعد جورجيا تدمر كامل المنظومة الأمنية في "حديقة الكرملين الخلفية"، وتهدد بخلل المنظومة الأمنية داخل روسيا ذاتها.

وتابع بالقول، "ويطال الجدل دور تركيا في إثارة النزاع من جديد. وفي وقت تنفي فيه موسكو رسميا أي دور لتركيا في تجدد العمليات العسكرية بين أرمينيا وأذربيجان، فإن بعض محللي وسائل الإعلام الروسية ذهبوا إلى أن تركيا متورطة ضمن "محور أميركي صهيوني" من أجل إضعاف دور روسيا، والهروب إلى الأمام بعد "الخيبة في سوريا، وعدم القدرة على مواجهة الإرهاب داخليا". وفي المقابل يرى خبراء في موسكو أن التصعيد لا يخدم تركيا على المدى البعيد رغم عداوتها التاريخية مع أرمينيا، وثقتها برجحان كفة حليفتها أذربيجان عسكريا.

بنظرة أعمق للأحداث؛ تركيا غير معنية بتوسع الصراع مع موسكو خاصة في ظل وجود مؤشرات إلى تقارب يمهد له اعتقال المتهم بقتل الطيار الروسي في حادثة السوخوي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ولو على ذمة قضية أخرى، واهتمام روسيا بتسريبات تشير إلى ضلوع محسوبين على الداعية الإسلامي فتح الله غولن في قضية إسقاط الطائرة بدعم أميركي لتوتير العلاقات مع موسكو، ومنح شركة تركية امتياز تطوير أكبر مطار في موسكو.

ومن المؤكد أن روسيا سوف تسعى إلى التنسيق مع أنقرة من أجل استخدام نفوذها في باكو ما قد يسهم في كسر الجليد بين البلدين، وربما اضطرت إلى القبول بمشاركة تركيا في إطار مجموعة مينسك في تسوية قضية كرباخ، وهي التي تضم إضافة إلى روسيا الولايات المتحدة وفرنسا، ما قد يمهد لنزولها عن سقف مطالبها العالي لتسوية الأوضاع مع تركيا، وربما تعاونا أكبر في عدد من القضايا.

اللافت أن خبراء وضعوا سيناريو يظهر فيه الرئيس الروسي بوتين وراء تجدد الأعمال القتالية حتى يكشف عجز واشنطن في المنطقة، ويثبت أنه صانع السلام الحقيقي، ويتوصل إلى اتفاق جديد يتم بموجبه إدخال قوات حفظ السلام الروسية إلى كرباخ.

وفي ختام مقاله قال إلياس، إن من المرجح أن لوبي أرمينيا القوي في واشنطن وبروكسل سيضغط باتجاه إطفاء الحريق بسرعة، وعدم منح باكو فرصة لاستغلال تفوقها العسكري، وترجمته على الأرض، ولا يُستبعد أن تضطر موسكو إلى التنسيق مع تركيا، على مبدأ "أهون الشرين"، من أجل التوصل إلى حل يعيد تجميد النزاع، ويمنع بروز حرائق جديدة في القوقاز وجنوب روسيا،وهو ما يعاكس تماما توجه "الصقور" في دوائر صنع القرار والحرب الإعلامية في موسكو.

ومن المؤكد أن الأزمة تمثل اختبارا حقيقيا لقوة موسكو في الفضاء السوفيتي السابق ولقدرتها على إدارة هذه الأزمات أو حلها، كما تمثل اختبارا لبراغماتية موسكو في التعامل مع القوى الإقليمية والدولية المعنية والمشاركة بنزاع ناغورنو كرباخ.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!