ترك برس

اتجه مؤسسو الدولة التركية إلى جعلها دولة يحكمها دستور جمهوري برلماني يكفل للبرلمان كافة صلاحيات الحكم، وإلى جانب البرلمان، نص الدستور على تأسيس مقام لرئاسة الجمهورية، لتمثيلها بشكل رمزي في المناسبات الداخلية والمحافل الخارجية.

وقد حدد الدستور مدة الحكم الخاصة بمقام الرئاسة بـ 7 سنوات، يُنتخب فيها الرئيس من قبل البرلمان لولاية واحدة، ومنذ تأسيس الجمهورية التركية وحتى الآن وفد إلى مقام الرئاسة التركية 12 رئيسا، ورافق كل رئيس إلى قصر الرئاسة زوجته التي عادة ما تكون قريبة جدا ً له وتتابع كافة أعماله عن كثب، لما تتمتع به هي أيضا ً من لقب رمزي، حيث يُطلق عليها اسم "السيدة الأولى".

هذا وفي إطار الكشف عن مدى تأثير سيدات القصر على قرارات أزواجهن السياسية ولتسليط الضوء على بعض خفايا القصر التي كشفتها سيداته، تناولت الخبيرة السياسية "عائشة أتيك أوغلو" ذلك الموضوع في كتابها الأكاديمي المدرج تحت عنوان "أيدي السيدات الملامسة لجدران القصر".

وفي إطار متصل، عملت مجلة "درين التاريخ" "التاريخ العميق" التركية على اختصار الأفكار العامة للكتاب في عددها الثامن والعشرين الصادر في آب / أغسطس 2008، مبينة ً أن من يدعي أن شخص الرئيس أو رئيس الوزراء أو أي شخص ذو مقام سياسي لا تتأثر سلوكه وقراراته السياسية بنصائح ومشورات زوجته أو عائلته فهو شخص خاطئ وبعيد كل البعد عن المنظور الواقعي الذي يؤكّد أن هؤلاء الأشخاص هم بشر ولديهم أحاسيس وعواطف مثل الآخرين، ومن الطبيعي جدا ً تعرضهم لتأثير من حولهم.

وتوضح المجلة أن الدور الرئيس لسيدات القصر التركي يتجلى في مشاركة أزواجهن في استقبال الضيوف رفيعي المستوى وإجراء الزيارات الفخرية التي تعزز من توطيد العلاقات المشتركة بين تركيا والدول الأخرى، أما الأدوار الثانوية الأخرى فهي:

ـ مشاركة زوجها في زيارته إلى القمم الدولية.

ـ متابعة الأنشطة الاجتماعية لمؤسسات المجتمع المدني والبلديات وغيرها والمساهمة في تطوير هذه الأنشطة.

ـ الإنابة عن زوجها في بعض المؤتمرات وخاصة المؤتمرات النسائية.

وتشير المجلة إلى أن هذه الوظائف ثانوية يمكن للسيدة الأولى القيام بها أو تركها ولا تُلزم بأي منها، بل تتم بناء ً على رغبتها.

وتُضيف المجلة مبينة ً أن نطاق التأثير الذي زخرت به سيدات القصر في تركيا يمكن سرد بعض ملامحه العامة من خلال اتحافه ببعض الأمثلة:

ـ التأثير على القرارات السياسية للرئيس وإرغامه في بعض الأحيان على اتباع هذا القرار، وقد بدا ذلك جليا ً في تأثير السيدة "لطيفة هانم" على زوجها مؤسس الجمهورية التركية "مصطفى كمال أتاتورك"، حيث اشتهرت بسرعة الغضب وشدة العصبية واشتهرت أيضا ً بأنها السيدة الأكثر تأثيرا ً على زوجها على الرغم من البقاء معه لمدة عامين فقط، ومن الأمثلة على نطاق تأثيرها، تحديد برامج زوجها، مما تسبب في حدوث تضارب متكرر في برنامج عمله السياسي.

ـ منع صدور بعض قرارات الإعدام: وقامت بذلك السيدة موهبة إينونو زوجة "عصمت إينونو" حيث حاولت إقناع زوجها بعدم القبول ببعض قرارات الإعدام عام 1961، وقد وثقت المصادر التاريخية أن زوجها بالفعل رضخ لما تريده زوجته.

ـ إحداث خلل في عمليات الاستقبال البروتوكولي والتسبب في تدهور العلاقات الدبلوماسية بين تركيا والدول الأخرى بشكل بسيط: وكانت السيدة "رشيدة هانم" زوجة "جلال بيار" هي من تسببت بذلك عبر التاريخ، حيث رفضت الخروج لاستقبال الملك اليوناني وزوجته، مما تسبب بإحداث خلل كبير في عملية الاستقبال البروتوكولي وأبدت اليونان اعتراضها الشديد على ذلك، وأرسلت تركيا مكتوب اعتذار على ذلك للحيلولة دون تدهور العلاقات الرابطة بينها وبين اليونان.

ـ الوقوف ضد مؤسسات الدولة العسكرية: انقلب الجيش التركي على نظام الحكم في التركية 4 مرات، وكانت المرة الأولى عام 1960، وفي ذلك العام تولى رئاسة تركيا الجنرال "جمال غورسال"، وفي تلك الفترة اعتقل مجموعة من العساكر الشباب رئيس الأركان السابق "عاطف صانوي" وزوجته" ولكن بفضل تدخل السيدة "ماليحات غورسال"، زوجة الرئيس "جمال غورسال" لم تتم محاكمتهما وتم الإفراج عنهما.

ـ التسبب في أزمات سياسية داخل أحزاب أزواجهن: كان يتم انتخاب رئيس الجمهورية من قبل البرلمان، وهذا ما يعني أن رئيس الجمهورية عادة ما يكون ذا خلفية حزبية، وفي انتخابات الرئاسة كان رئيس الحزب هو الشخص الذي يتم اختياره بشكل عام، وعندما تولى "تورجوت أوزال" زعيم حزب الوطن الأم المعروف بمنهجه الديني المحافظ، رئاسة الجمهورية، قامت زوجته "سمراء أوزال"، على الرغم من رفضه الشديد، بالمشاركة في مظاهرة معترضة على تواجد بعض النساء المتدينات داخل حزب الوطن الأم، الأمر الذي تسبب بحدوث أزمة عارمة داخل حزب الوطن الأم، على خلفية دعم السيدة الأولى لإحدى المظاهرات الإقصائية، وهو ما تسبب بالحرج الشديد لأوزال الذي قدمه اعتذاره الشديد للحزب.

وفي نهاية الموضوع، تنوه المجلة إلى أن هناك الكثير من النقاط التي تُظهر نطاق تأثير سيدات القصر على القرار في تركيا، ولكن هذه النقاط هي النقاط الأوضح التي أظهرت تأثير هؤلاء النساء في بعض زوايا السياسة التركية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!