ترك برس

يرى المؤرخ السياسي التركي "إسماعيل كارا" أن المؤرخين يجمعون على أن الحزب الديمقراطي تأسس في 7 كانون الثاني/ يناير 1946، بعد انشقاق أعضائه عن حزب الشعب الجمهوري، ليس لتأسيس حزب سياسي فقط بل لتأسيس أيدولوجية علمانية محتضنة وليست إقصائية كعلمانية الحزب الجمهوري، وللموازنة بين الفكر العلماني والدين الإسلامي فاستمر على تطبيق العلمانية في مؤسسات الدولة، وعلى صعيد آخر فتح باب الحرية للمواطنين الأتراك لممارسة طقوسهم الدينية التي منعها حزب الشعب الجمهوري.

ويشير كارا إلى أن منبع تسلط حزب الشعب الجمهوري كان كونه مؤسس الجمهورية الذي يرى أن له الحق في تنفيذ وفرض كل ما يحلو له لصياغة شكل جديد لتركيا بحلة جديدة تسودها العلمانية والقومية والحداثة الغربية المتطرفة. وقد كانت تلك الحلة جديدة على الشعب التركي ولا تناسب قيمه الدينية والمحافظة، ولكن حزب الشعب الجمهوري لم يأخذ مبادئ الشعب بالحسبان واتجه نحو السياسات القسرية، فسن قوانين الإعدام والعقوبات الشديدة على كل من يخالف اتجاهه وسياسته.

وفي مقاله "مفهوم العلماني لدى الحزب الديمقراطي" المنشور في مجلة التاريخ العميق (Derin Tarih)، يؤكد كارا أن علمانية الحزب الجمهوري الإقصائية التخريبية كانت علمانية متطرفة أو ليست علمانية إن صح التعبير، بل هي فكر إقصائي يحاول ترجمة فكرته على الساحة بالإكراه.

وفي سياق متصل، يوضح الخبير السياسي "رمضان بولات" أن الحزب الديمقراطي جاء من صلب الشعب وعبر صناديق الاقتراع، مما اضطره إلى تبني سياسة توازن تحاول الحفاظ على الإطار الحداثي العلماني الغربي لمؤسسات الدولة على صعيد السياسة الخارجية، أما على الصعيد الداخلي فتبنى سياسة ديمقراطية تُرضي مطالب الشعب المظلوم، منوّهًا إلى أن تجربة الحزب الديمقراطي أثبتت أن العلمانية المتوازنة هي الناجعة في إدارة تركيا وهذا ما طبقه حزب الوطن الأم وحزب العدالة والتنمية في الفترة الحالية.

وبيّن بولات، في مقاله "السياسة الشعبية للحزب الديمقراطي" في صحيفة تشوروم المحلية أنه لا يمكن إنكار الدور الكبير الذي تلعبه الديمقراطية في فرض بعض الأجندة على الأحزاب المنتخبة بالإرادة الشعبية، حيث أن حزب الشعب الجمهوري لم يعتلِ سدة الحكم بديمقراطية حقيقية بل تولاها قسرًا ولم يكن توجه الشعب يؤثر عليه كثيرًا، أما الحزب الديمقراطي فقد تولى مقاليد الحكم بعملية ديمقراطية حقيقية وعبر الإرادة الشعبية، وهذا ما دفعه لانتهاج سياسات تلائم التوجه الشعبي وتوازن بين مطالبه والعلمانية التي على أساسها تم تأسيس الجمهورية التركية.

ويضيف المؤرخ "آدم غونيش" في مقاله "نقاشات البرلمان الحادة حول مفهوم العلمانية" المنشور في موقع كتاب التركي، إلى أن البرلمان التركي شهد إبان فترة حكم الحزب الديمقراطي التي استمرت عشرة أعوام مواجهات محتدمة بين نواب الحزب الديمقراطي وحزب الشعب الجمهوري، حيث كان يعترض نواب حزب الشعب الجمهوري كثيرًا على إجراءات الحزب الديمقراطي متهمين إياه بالمعادي للعلمانية والداعم للرجعية، وكان الحزب الديمقراطي يدافع عن نفسه بالقول إن "العلمانية لا تعني الإلحاد" و"الدين الإسلامي ليس دينا رجعيا، بل هو من أكثر الأديان الداعية للتفكر والتأمل والتدبر والعمل والإتقان، وما قمتم به هو ضد الحريات العامة للشعب، لهذا لن نقوم بتطبيق العلمانية القريبة للمعنى الإلحادي، وسنستمر في تطبيق العلمانية المتوازنة".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!