ترك برس

يرى المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الاستياء المتبادل بين إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما والحكومة التركية، يرجع إلى اختلاف مقاربة البلدين لقضايا منطقة الشرق الأوسط، والسياقات التي ينظر كلٌ منهما إليها؛ فبينما تراها "الولايات المتحدة في سياق دولي، فإنّ تركيا، وحتى قبل الحرب في سورية، تراها في سياق المصالح الإقليمية".

وأشار المركز العربي في تقرير له عن زيارة الرئيس التركي الأخيرة إلى واشنطن نهاية الشهر الماضي، إلى أن التجاذبات بين الطرفين تتعلق بجملة كبيرة من القضايا، منها الموقف من الثورات العربية والانقلاب عليها، وموضوع علاقة تركيا مع إسرائيل التي ساءت كثيرًا في السنوات الأخيرة، وانفتاح أنقرة على بعض القوى الإسلامية، كالإخوان المسلمين وحركة حماس".

وأضاف التقرير، "فبعد عدوان إسرائيل على قطاع غزة في صيف عام 2014 قام أعضاء في الكونغرس الأميركي بشنّ حملة ضد تركيا، ووصفوها بـ "العدو الذي يتخفى بثياب صديق" وطالبوا بفرض عقوبات عليها. وقد ترافق ذلك حينها، مع تصعيد إعلامي ضد تركيا وبروز دعوات إلى إعادة النظر في وضعها في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، بل وحتى "طردها" منه، خصوصًا في ضوء تركيز خصوم تركيا على ما يزعمون أنّه نزعة "تسلطية" و"إسلامية متشددة" لدى الرئيس أردوغان. وقد ألمح أردوغان في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2013، عندما كان رئيسًا للوزراء، إلى دورٍ أميركي محتمل، في الحملة الأمنية التي شنّتها جهات في الشرطة التركية على مقرّبين منه بمزاعم فساد، وهدّد، حينئذ، بطرد السفير الأميركي من أنقرة".

واعتبر التقرير أن "من ضمن جميع الملفات الخلافية بين البلدين، تمثّل الأزمة السورية نقطة الافتراق الأبرز بين تركيا والولايات المتحدة؛ فإدارة أوباما التي ظلت تعدّ سورية، قبل ظهور داعش، قضية هامشية نظرًا لعدم وجود مصالح كبرى لها فيها، ما زالت لا تملك إستراتيجية واضحة لحلّ الأزمة السورية، وهو الأمر الذي سمح لإيران بالتمدد في هذا البلد العربي في السنوات الأولى من الثورة، ثم ظهر "داعش" وأخذ يتمدد من العراق في الفراغ الذي خلفه انحسار سلطة النظام السوري في شرق البلاد وشمالي شرقها، ثم دخول روسيا في مرحلة تالية على الخط، وتحوّلها إلى صاحب النفوذ الأكبر في سورية".

وأوضح أن "اختلاف المقاربتين التركية والأميركية في سورية انعكس على اختلاف الأولويات بين الطرفين؛ فالولايات المتحدة ترى أنّ الأولوية هناك تتمثّل بمحاربة "داعش" وهزيمته. وفي المقابل، ترى تركيا أنّ الأولوية هي إحداث تغيير سياسي في سورية ينهي حكم الأسد، ويؤسس لدولة مدنية ديمقراطية كفيلة بهزيمة التيارات الإرهابية كـ "داعش". ونتيجة هذا التناقض في الأولويات تبدي الولايات المتحدة استياءً من تركيز تركيا، في الوقت الحاضر، جهدها العسكري على مواجهة حزب العمال الكردستاني الذي يقود عملية تمرد انفصالي في جنوب البلاد، في حين تريد واشنطن أن تدع موضوع الأكراد جانبًا وتركّز على محاربة تنظيم الدولة. من المنطلق نفسه يعدّ دعم الولايات المتحدة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي من نقاط الافتراق الأساسية بين مقاربتَي الطرفين؛ فأنقرة تعدّ الحزب وجناحه العسكري "قوات حماية الشعب" امتدادًا لحزب العمال الكردستاني، في حين أنّ واشنطن ترى فيهما حليفيْن في الحرب على "داعش"، ومستقلَين تنظيميًا عن حزب العمال، وتقوم بمدّهما بالسلاح مع أنّهما يمثّلان تيارًا يساريًا انفصاليًا متطرفًا".

وتابع التقرير، "أخذ هذا التناقض في قراءة الطرفين الأوضاع في الإقليم ينعكس بوضوح على العلاقات الإستراتيجية والعسكرية بينهما، على الرغم من أنّ هذه العلاقة يفترض أن تكون راسخة في حلفٍ يمتد عقودًا، منذ أن انضمّت تركيا إلى حلف الناتو عام 1952؛ فمنذ إسقاطها طائرة عسكرية روسية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، قالت أنقرة إنّها اخترقت أجواءها السيادية، لم تجد تركيا الإسناد الكافي بوصفها عضوًا في الحلف. بل إنّ رسالة واشنطن والحلف إلى أنقرة شددت على ضرورة التهدئة ووقف طلعات طائراتها العسكرية فوق سورية، وعدم التصعيد مع الروس، مخافة الانجرار إلى حربٍ واسعة معهم. بينما جرى إخبار تركيا أنّ الحلف سوف يهبّ لنجدتها فقط في حال كانت في وضع دفاعي. وفي سياق تداعيات هذا القرار، أخذ تأثير تركيا يضعف في الساحة السورية، خصوصًا في المناطق الحدودية، في حين أخذ نفوذ الأكراد يتنامى بدعمٍ أميركي وروسي مشترك".

وبين التقرير أن "تنامي الخلاف مع واشنطن، والحاجة إلى ملْء الفراغ الذي يتركه نأي إدارة أوباما بنفسها عن قضايا المنطقة، دفعَا تركيا إلى البحث عن حلفاء إقليميين، ما يفسّر التقارب الكبير الذي حصل مؤخرًا مع المملكة العربية السعودية، على الرغم من اختلاف الأولويات معها أيضًا؛ فاهتمام السعودية يكاد يكون منصبًّا بصورة مطلقة على الخطر الإيراني، بينما تركّز تركيا من جهتها كليًا على خطر الحركات الانفصالية الكردية (وهو موضوع سيتم تناوله في تقدير موقف منفصل عن زيارة الملك سلمان لتركيا)".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!