د.باسل الحاج جاسم - خاص ترك برس

على الرغم من أن خسارة مدينة حلب، لصالح التحالف الروسي الإيراني الداعم لنظام الأسد، تعتبر تحديا بالغ الأهمية بالنسبة لجميع الأطراف المتشابكة في الملف السوري، إلا أنه حتى اليوم، لا يبدو واضحا، أي تحركات لدى التحالف التركي السعودي القطري، الداعم للمعارضة السورية المعتدلة، لمنع أو عرقلة سيناريو كهذا.

تراجعت الخيارات أمام تركيا للتحرك بمفردها، في الداخل السوري، وباتت محدودة، بسبب لجوء روسيا لأفعال انتقامية، بعد إسقاط أنقرة طائرة روسية قالت إنها اخترقت أجواءها أواخر العام الماضي، وبدء دعمها ميليشيات كردية، الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني، المصنف إرهابيًا في تركيا وحلف الـ ناتو، وذلك لإضعاف الدور التركي في سورية، وجعل تلك الميليشيات تسيطر على الشريط الحدودي مع تركيا، استكمالًا لمشروعها ومشروعهم، من جهة، ولإثارة الاضطرابات داخل تركيا من جهة ثانية.

كان واضحا منذ البداية أن المعارضة السورية المعتدلة، لن تستفيد من الهدنة التي جاءت بمبادرة روسية، على عكس القوى التي تدعمها روسيا، وحققت تقدمًا واسعًا أخيرًا، والشيء الوحيد الذي كان يمكن أن تحققه المعارضة السورية من الهدنة، هو إعادة توحيد صفوفها(وفي هذا الشق قد تقع مسؤولية أيضا على الاطراف الخارجية الداعمة لها)، فمن دون ذلك ستبقى ورقة خاسرة لا يمكن لأحد أن يعول عليها مستقبلًا، وستعطى الفرصة من جديد للمجموعات الانفصالية لتملأ الفراغ.

ولو كانت لفصائل المعارضة السورية، قيادة موحدة، لما اتجهت واشنطن لدعم ميليشيات كردية، واستفادت من القصف المدفعي التركي، الذي استمر لأيام عديدة، واستعادت الأراضي التي خسرتها في ريف حلب.

تسيطر ميليشيات كردية هي الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني التركي، على ثلاثة أرباع الحدود السورية مع تركيا وتتابع استفزازها لها، بالتقدم إلى مناطق كان النظام السوري في السابق، تعهد بمنع أي تحرك مسلح كردي فيها، أو السماح للجيش التركي بالتوغل داخل الأراضي السورية لملاحقة المسلحين الأكراد كما حدث في أوقات سابقة، ولو في شكل غير معلن، كما يحظى التنظيم الكردي حاليًا بدعم أمريكي- روسي، بسبب تصديه لمسلحي تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".

وربما لموسكو وواشنطن، في آن واحد، مآرب أخرى لا تقل خطورة، على سبيل المثال تعزيز فرص التقسيم، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار دعمهما الأخير لميليشيات انفصالية كردية، وتهجير الأخيرة أعدادًا كبيرة من سكان تلك المناطق (العرب والتركمان).

واللافت أن واشنطن التي عول كثيرون على موقفها ضد الأسد، هي من أعاق انشاء المنطقة الآمنة وليس موسكو (قبل تدخلها العسكري في سوريا)، وتحت حجج عديدة، فقد رفض الرئيس الأمريكي باراك أوباما إقامة منطقة آمنة في سورية منذ بداية المطالبة بها قبل سنوات، وما زال يتفادى ذلك خلال عامه الأخير في منصب الرئاسة ويرى أن أخطارًا تتضمنها، وتتطلب وجود قوات على الأرض وحماية من الجو.

فقدان مدينة كبرى كحلب هي بعد العاصمة دمشق، الأهم في الجمهورية العربية السورية، إن حدث سيشكل ضربة كبرى للمعارضة السورية المعتدلة، منذ انضمام قطاعات كبيرة في المحافظة للثورة السورية عام 2012، حيث اعتبر الكثير من المراقبين وقتها، سيطرة الثوار على حلب ستقود إلى الإطاحة بالأسد في دمشق.

أصبحت حلب اليوم ميدانًا لمعركة كسر عظم، ليس بين الطرفين السوريين المتصارعين فحسب، بل بين محورين تركي-سعودي و روسي- إيراني، غير أن المتضرر الوحيد في هذه المعادلة هم سكان المدينة.

تهدف روسيا إلى إغلاق الحدود التركية السورية نهائيًا، ومحاصرة المعارضة المعتدلة من جانب جيش الأسد والميليشيات العرقية والطائفية التي تقاتل معه، وهي رسالة سياسية عسكرية إلى التحالف السعودي – التركي.

يبقى القول أيًا كان السيناريو القادم لحلب، فهو سيخلق توازن قوى جديد، و يفرض معطيات جديدة على الأرض، ستؤثر حتما على أوراق التفاوض، وريثما يتم التوافق على العودة إلى طاولة المفاوضات من جديد، يبقى شبح تقسيم سورية مخيما على الأجواء، في ظل الوضع العسكري الجديد.

عن الكاتب

د. باسل الحاج جاسم

كاتب وباحث في الشؤون التركية الروسية، ومستشار سياسي، ومؤلف كتاب: كازاخستان والآستانة السورية "طموحات نمر آسيوي جديد وامتحان موسكو"


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس