محمود عثمان - خاص ترك برس

يحتل حزب الحركة القومية مكانة خاصة في الحياة السياسية التركية، فقد لعب في الأيام الأخيرة دورا محوريا حساسا، خصوصا عقب انتخابات السابع من حزيران/ يونيو العام الماضي، التي أفرزت حالة سياسية معقدة، حيث انتهج الحزب سياسة حدية صلبة ساهمت في قلب موازين اللعبة السياسية، وأفسدت على مهندسي السياسة خططهم، مما جعله عرضة لعمليات جراحية ما زالت تستهدف قيادته ومؤسساته.

أسباب استهداف زعيم الحزب دولت بهجالي:

1- وقوفه ضد نزول الشباب للشارع:

شكل الصدام بين شباب اليمين واليسار الذريعة الأساسية لقوى الدولة الخفية ومهندسي السياسة للتدخل في الحياة السياسية، وتهيئة الأجواء للانقلابين للانقضاض على مؤسسات الدولة وتنفيذ انقلاباتهم العسكرية. إذ أن جميع الانقلابات العسكرية ضد السلطة السياسية سبقتها صدامات بين شباب اليمين واليسار في الشوارع والجامعات، وقد ثبت بالأدلة القطعية أن ما يسمى بالدولة الخفية كانت تمد كلا الطرفين بالسلاح في وقت واحد بهدف إشعال الفتنة، وجر الشباب للشارع، وإذكاء الاقتتال فيما بينهم.

ثمة قوى داخلية وخارجية، سياسية وغير سياسية، تلك التي عجزت عن لي ذراع حزب العدالة والتنمية من خلال صناديق الانتخاب، تحاول اليوم إعادة استخدام الأساليب القديمة في إنزال المواطن للشارع، من خلال افتعال بعض الأحداث التي من شأنها إشعال فتيل الفتنة بين شباب اليمين واليسار.

وبينما تم تهيئة المنظمات اليسارية والكردية لهذا السيناريو، امتنع رئيس حزب الحركة القومية دولت بهجالي ووقف سدا منيعا دون نزول شباب اليمين للشارع، فحال دون تكرار سيناريو نهاية السبعينات الذي مهد لانقلاب كنعان إفرين عام 1980، ورغم تكرار الضغوط وكثرة المحاولات إلا أنه قاوم بعناد منقطع النظير، ولم يخضع لتلك الابتزازات.

2- موقفه من أحداث غيزي بارك:

بدأت مظاهرات "غيزي بارك" كحركة احتجاج على قطع بعض الأشجار. لكن القوى المتربصة بحزب العدالة والتنمية لم تكن لتفوت أي فرصة سانحة لتحولها إلى حركة احتجاج وسخط شعبي يعم جميع أرجاء تركيا، فتم التحشيد واستنفار القوى، وتصدرت أحزاب اليسار ومنظماته المشهد، وطلب من حزب الحركة القومي أن يساهم في تلك الحملة، بهدف الانقضاض على حكومة العدالة والتنمية، لكن دولت بهجالي نأى بنفسه وحزبه، فباءت المحاولة بالفشل.

3- رفضه الشراكة في حكومة ائتلافية تشكلها أحزاب المعارضة:

لم تعط نتائج انتخابات السابع من حزيران أيا من الأحزاب السياسية حق تشكيل الحكومة بمفرده، وبرزت الحاجة لتشكيل حكومة ائتلافية.. مرة أخرى سنحت الفرصة لتحقيق الضربة القاضية ضد حزب العدالة والتنمية وحكومته، لكن بشرط اتفاق جميع أحزاب المعارضة.. ومرة أخرى ظهرت عقبة حزب الحركة القومية بزعيمه دولت بهجالي، إذ رفض رفضا قاطعا فكرة الدخول في حكومة واحدة مع حزب الشعوب الديمقراطي، الذي يعتبره واجهة سياسية لحزب العمال الكردستاني ويتهمه بالإرهاب.

يرى كثير من المحللين السياسيين أن تعنت دولت بهجلي ورفضه الدخول مع بقية أحزاب المعارضة في حكومة ائتلافية شكل سببا رئيسيا في حصول حزب العدالة والتنمية في انتخابات 1 تشرين الثاني/ نوفمبر على النتيجة التي مكنته من تشكيل الحكومة بمفرده.

المعارضة داخل الحزب ترفع راية العصيان ضد بهجلي:

ما إن تم الإعلان عن نتائج انتخابات 1 تشرين الثاني/ نوفمبر، التي تراجعت فيها أصوات حزب الحركة القومية، حتى بادر أربع من شخصياته البارزة إلى رفع راية العصيان ضد الرئيس دولت بهجلي، حيث بدؤوا بالمطالبة بعقد مؤتمر استثنائي عام تتم فيه مراجعة مسيرة الحزب، وانتخاب قيادة جديدة له. لكن الرئيس دولت بهجلي رفض طلبهم رفضا قاطعا، مشيرا إلى تاريخ انعقاد المؤتمر العام الاعتيادي عام 2018. بعد ذلك اتفق المعارضون فيما بينهم على جمع التواقيع من أجل عقد مؤتمر استثنائي عام في موعد قريب.. وفيما يقول المعارضون بأنهم تمكنوا من جمع التوقيعات الكافية لذلك، شككت إدارة الحزب في عدد الموقعين، وقانونية فعلهم، ليتحول الأمر بعد ذلك إلى القضاء الذي حدد تاريخ انعقاد المؤتمر العام الاستثنائي يوم العاشر من تموز/ يوليو المقبل.

إلى أين تتجه الأمور داخل حزب الحركة القومية:

تعيش قواعد حزب الحركة القومية وغالبية مؤيديه حالة من الغضب والغليان والحيرة والتردد. حيث لم تحرز قيادة الحزب بزعامة بهجلي أي نجاح يذكر، ولم تقدم أي مشروع أو خطة تقنع الناخب وتكسب ثقته.. مقابل ذلك يحسب للرئيس دولت بهجلي عدم الزج بالحزب في أتون المماحكات والاستقطابات السياسية، إذ لم يسمح للقوى غير السياسية، وخصوصا جماعة فتح الله غولن/ الكيان الموازي (الذي نحج في هندسة حزب الشعب الجمهوري باستبدال رئيسه دنيز بايكال برئيسه الحالي كمال كيليجدار أوغلو من خلال ترتيب فضيحة جنسية) بالعبث بمقدرات الحزب، كما حافظ على الخط السياسي الكلاسيكي للحزب التي يضع (الدولة – الأمة) في المركز، مما جعله قريبا في المواقف من حزب العدالة والتنمية، وأكثر تناغما مع سياسات الرئيس رجب طيب أردوغان.. بل ذهب بهجلي إلى أبعد من ذلك، من خلال إرسال رسائل إيجابية بخصوص دعمه لعملية التحول للنظام الرئاسي، الأمر الذي يضعه أردوغان في مقدمة الأولويات.

تشير الدوائر المقربة من المركز العام للحزب أن فوز الرئيس دولت بهجلي بالرئاسة لن يكون سهلا هذه المرة لكنه ليس مستحيلا، وهناك إشارات قوية حول احتمال تحويل المنافس الأقوى ميرال أكشينير وزيرة الداخلية الأسبق إلى لجنة التأديب، وإن تم ذلك فإنها لن تتمكن من الترشح للرئاسة حسب النظام الداخلي للحزب. لكن في حالة لجوء إدارة الحزب إلى مثل هذا الإجراء الذي سيعتبر تعسفيا، فسيكون من المرجح أن تتحول الرياح لصالح المعارضة.

في مثل هذه الظروف والحالات يجب النظر إلى مواقف نواب الحزب في البرلمان، فهي التي تدل إلى اتجاه إبرة البوصلة إلى من تشير.. وبما أن مواقف النواب قد تبدلت في الأيام الأخيرة من التأييد الواضح والوقوف خلف الزعيم، إلى الوقوف الخجول بجانبه، فإن مهمة الرئيس دولت بهجلي لا تبدو بالهينة قطعا.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس