محمد حسن القدّو - خاص ترك برس

قبل حلول عام 1992 بأربع وعشرين ساعة تم إيقاف جميع مؤسسات الاتحاد السوفيتي بعد قرار الإعلان عن حل كل المؤسسات المذكورة لنفسها بنفسها وأتى القرار بعد أربعة أيام من استقالة غورباتشوف وتسلم بوريس يلتسن مقاليد الحكم في روسيا، ومنذ تلك الفترة ولحد هذا اليوم تعاني روسيا من حصارين شديدين صنعت الحصار الأول لنفسها والحصار الثاني كانت من تصميم وتكاتف الغرب وأمريكا معا ضدها.

في عهد الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو والذي ضم معظم دول أوروبا الشرقية والتي كانت إضافة إلى كونها عضوا في الحلف كانت تتلقى الأوامر والتوجيهات الشيوعية الايدلوجية وطريقة قيادة الدولة وكيفية إدارتها من العاصمة موسكو  ومن الكرملين على وجه الخصوص، ورغم الإمكانات وسعة مساحة الدول المنضمة إلى الحلف وتأثيرها الحقيقي والمعنوي على العلاقات الدولية إلا أن الروس كانوا يتأملون من دول اتحاد وارسو وبالتحديد من الأعضاء من دول أوروبا الشرقية أن تكون أولى المتاريس ضد التوسع الفكري الإمبريالي الغربي بدليل أنهم كانوا يسعون دائما توسيع نفوذهم الفكري والاستراتيجي باتجاه الجنوب حيث الشريان الحيوي المغذي للماكنة الصناعية إضافة إلى اهتمامها المتزايد بالوصول إلى المياه الدافئة وكما عبر عنه الدكتور المرحوم حامد ربيع في إحدى مقالاته قبل احتلال السوفيت لأفغانستان، لكن الذي ربما غاب عن بال السوفييت في تلك الفترة أن منطقة الشرق الأوسط كانت معقلا من معاقل النفوذ الغربي والأمريكي وأن أية تغيير ايدلوجي في دول المنطقة غير مسموح به على الإطلاق، روسيا ورغم تحررها من القيود الشيوعية إلى الأبد لكنها لا زالت تفكر بالعقلية التحزبية الراديكالية عند إقامة علاقاتها مع البلدان فهي تولي اهتماما متزايدا وتبحث بشخصية الحاكم وميوله عند إقامة علاقاتها بدلا من الالتفاف حول مصالحها الحيوية وهذا الخطأ المستمر الذي دأبت عليه القيادة الروسية منذ انحلال الاتحاد السوفيتي.

مثال

دول البريكس

بريك مختصر للأحرف الأولى بالإنجليزية لدول البرازيل، وروسيا، والهند، والصين.

وهي الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم. عقدت أول قمة بين رؤساء الدول الأربع المؤسسة في ييكاتيرينبرغ، روسيا في حزيران/ يونيو 2009 حيث تتضمنت الإعلان عن تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية، وبعد عام على ذلك التاريخ انضمت جنوب أفريقيا الى هذه المجموعة فأطلق عليها دول البريكس

تأملت روسيا عند الدعوة إلى تشكيل دول البريكس الأمور التالية:

1- تتامل روسيا من دول البريكس أن تكون سلاحا لمواجهة هيمنة دول الأورو أطلسية كبديل بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.

2- تتأمل روسيا في علاقاتها مع دول البريكس إنقاذها من العزلة الدولية جراء العقوبات الغربية عليها.

3- يرى الروس أن مستقبل روسيا مرتبط بعلاقاتها مع قسم من أعضاء هذه المجموعة وعلى وجه التحديد مع الصين والهند.

إلا أن الطموحات الروسية تصطدم بالواقع المختلف لمجموعة البريكس وعلى سبيل المثال لا الحصر

1- تعاني بعض دول البريكس من مشكلات عرقية ودينية من شانها إعاقة النمو الاقتصادي والتوجه العام نحو البناء الديمقراطي كما هو الحال للهند العضو المؤسس للمجموعة.

2- هيمنة المصالح الوطنية الداخلية لدول البريكس على المصالح الاستراتيجية لعموم دول المجموعة وهذا ما صرح به رئيس الوزراء الهندي السابق سينغ.

3- امتناع الصين وهي دولة دائمة العضوية لمجلس الأمن ودولة مؤسسة للبريكس عن التصويت على القرار الأممي في آذار/ مارس عام 2014 حول التدخل الروسي في شبه جزيرة القرم فسر بالمشاركة غير المباشرة في العزلة الدولية المفروضة على روسيا.

4- تعتبر روسيا من أقل البلدان التي تستفيد من مجموعة بريكس مقارنة بباقي الدول ومن ضمنها الصين والتي استطاعت أن تذلل من عقبة الفارق الكبير في القوة الاقتصادية.

5- تتأمل معظم دول البريكس في سعيها إلى الحفاظ على علاقاتها الاقتصادية مع الروس في سبيل تحقيق منافع وشروط مربحة لغرض تزويدها بالطاقة والسلاح، ولذا فإن على روسيا وفي حال التكامل الاقتصادي والاستراتيجي بين دول البريكس قد تضحي بالكثير من أرباحها عند تزويدها للطاقة والسلاح لدول المجموعة.

وعليه فإن كل الآمال الروسية المعقودة على دول البريكس والتي تأمل منها تحقيق أهدافها غير ممكنة بسبب محدودية التقاسمات المشتركة بينهما ووجود بون شاسع في قدرات هذه الدول مقارنة مع روسيا في الاستفادة المرجوة من المجموعة.

مثال آخر

العلاقة الروسية مع إيران

في الخمسينات من القرن الماضي تم الإجهاز على حكم محمد مصدق رئيس الوزراء الإيراني المنتخب والذي قاد عملية الاصلاح السياسي والاقتصادي لايران وقد تجلت اصلاحاته السياسية بتأميم شركات النفط الأجنبية العاملة داخل الأراضي الإيرانية، في عملية سميت بأجاكس عام 1953 ولكن السؤال هو هل كان الغرب ومعه أمريكا يخشى من حكم مصدق أم من مؤازري الانقلاب وهم حزب تودة والذي بلغ مؤازروه، إن لم نقل أعضاؤه في تلك الفترة أكثر من ثلاثة ملايين شخص، لأن مصدق كان بالتأكيد مرغما على التعامل مع الغرب ومع أمريكا بحلول الظروف المناسبة ربما كانت العلاقة الإيرانية الغربية ترجع إلى سابق عهدها بعد فترة وجيزة وخصوصا في مسألة شركات النفط، مما يعني أن الغرب كان يخشى على مناطق نفوذه من الفكر الشيوعي المتمثل بحزب توده اقوى الأحزاب الراديكالية في المنطقة.

إن العلاقة الإيرانية الروسية الحالية والتي تبدو في نظربعض الباحثين علاقة عبثية بالنسبة إلى الروس بسبب عدم استطاعة الروس إقامة علاقة استراتيجية حقيقية مع الإيرانيين المكبلين بالعقوبات المفروضة عليهم من قبل المجتمع الدولي والمنتهية الصلاحية بعد الاتفاق حول برنامجها النووي، وقد استطاعت أمريكا عبر هذا الاتفاق تحويل الحصار والعقوبات الدولية إلى حصار وعقوبات والتزامات إيرانية نحوها، وبالتأكيد إن إيران ستتكفل بتنفيذ كل ما ترغب به الإدارة الأمريكية ومن ضمنها تحديد التقارب السياسي والاقتصادي مع الروس الند والمنافس الأول للأمريكان في العالم وربما ينظر البعض إلى أن العلاقات الإيرانية مع الروس هي علاقة اضطرارية حكمتها العقوبات الاقتصادية الغربية والتي سبقتها النظرة التشائمية للغرب من السياسة الخارجية والداخلية  للنظام الإيراني.

بل إن الكثير من الممارسات الإيرانية حول محيطها الإقليمي وطموحاتها غير المشروعة قد جعلت من الحكام الروس التفكر مليا حول مستقبل هذه العلاقات وخصوصا بعد السعي العلني للإيرانيين لاستعادة علاقاتها المتميزة مع أوروبا الغربية والولايات المتحدة على وجه الخصوص.

الفرصة المهدورة

تكمن الأهمية في إقامة علاقات متطورة بين تركيا وروسيا في إمكانية الترويج للمنتج المشترك بصورة سريعة من خلال المنظومة التركية للتصدير لتصل بصورة سلسة إلى أكثر من مليار ونصف المليار مستهلك في 54 دولة، هذا اذا استثنينا السعي التركي للانضمام إلى رابطة دول الآسيان وكذلك إلى إقامة علاقات متميزة بينها وبين إندونسيا ذات الثقل السكاني الهائل، إضافة إلى العلاقات المتميزة الاستراتيجية بين تركيا وبين بعض الدول العربية كالسعودية وقطر إضافة إلى السعي إلى علاقات متميزة ومتطورة  مع باقي الأقطار العربية، كذلك العلاقات المتميزة مع معظم الدول الأفريقية، كل تلك الامتيازات كانت تحصل عليها روسيا في حال عدم إفراطها بالعلاقات المتميزة مع تركيا بسبب تدخلها السافر في الشؤون السورية والتي لم تعرف على وجه التحديد سببها، ورغم النداءات المتكررة من قبل القيادة التركية في تحسين العلاقات مع روسيا بعد إسقاط الطائرة الروسية لمعرفتهم بأن هذه العلاقات تدر بالنفع العام للطرفين ولا سيما أن تركيا قد امتنعت في فترة سابقة عن تطبيق إجراءات العقوبات الغربية عليها وهذه الوقفة المشرفة للأتراك نحو الروس يجب ان لايقابله هذا العناد غير المجدي والمضر بالمصالح الروسية أولا قبل أن توثر على الأتراك.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس